صورة الخبر

10:19:02 2025-10-24 : اخر تحديث

10:19:02 2025-10-24 : نشر في

الدعاية الانتخابية في العراق.. اعتداءات متكررة ومخالفات متواصلة

حجم الخط

أنس السالم - شبكة الساعة

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، تتصاعد وتيرة التنافس السياسي في الشارع بشكلٍ لافت، إلا أن هذا التنافس هذه المرة لم يخلُ من مظاهر سلبية تعكّر صفو العملية الانتخابية، وفي مقدمتها الاعتداءات المتكررة على الدعاية الانتخابية للمرشحين.

وشهدت العديد من المحافظات العراقية خلال الأسابيع الأخيرة حوادث تمزيق وتشويه للملصقات والصور الدعائية، إلى جانب إزالة اللافتات وإحراق بعضها ليلاً من قبل مجهولين، فضلاً عن حرق مكتب نائب مرشح للانتخابات 2025، في مشهدٍ بات يثير قلق الأوساط الشعبية والسياسية.

وتعد هذه الاعتداءات انتهاكاً واضحاً لقواعد السلوك الانتخابي التي أقرّتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي تهدف إلى ضمان بيئة تنافسية نزيهة تكفل المساواة بين المرشحين في عرض برامجهم وأفكارهم أمام الناخبين.

إن استمرار هذه الانتهاكات قد يؤثر سلباً على نزاهة العملية الانتخابية، ويقوّض ثقة المواطنين بالمسار الديمقراطي في البلاد، خصوصاً في ظل مناخ سياسي متوتر وتراجع في مستوى الخدمات العامة.

وقال عضو مجلس مفوضية الانتخابات الأسبق، سعد الراوي، لشبكة "الساعة"، إن "الدعاية الانتخابية في كل دول العالم لها ضوابط وتوقيتات محددة، ولها أماكن مخصصة، ويجب أن يكون منصوصاً عليه قانونيًا وبشكل مفصل"، مبيناً أن "مفوضية الانتخابات العراقية أصدرت تعليماتها بهذا الشأن بالتعاون مع مديريات البلديات في المحافظات ومع امانة العاصمة".

وأشار إلى أن "القانون ينص على اتفاق بين مفوضية الانتخابات وأمانة بغداد والبلديات في المحافظات، لوضع ضوابط للدعاية الانتخابية وتحديد أماكنها وأشكالها وأنواعها".

وأضاف أن "المشكلة الكبيرة هي قيام كثير من المرشحين والأحزاب ببدء الدعاية الانتخابية قبل موعدها، ونشر صور وفلكسات وبوسترات بكثرة بلا اية ضوابط ولا حدود"، لافتاً إلى أهمية "تحديد توقيتات دقيقة في القانون الانتخابي مع إيضاح العقوبات المترتبة على المخالفات بشكل جلي لا يسمح بأن يتجاوز عليه أحد".

وأوضح أن "قانون الانتخابات خصص فقرات عن الدعاية الانتخابية، ونذكر بعض مواده على سبيل المثال، لا يتجاوز عدة فقرات"، ملمحاً إلى أن هذه الفقرات بحاجة إلى توضيح؛ فإحدى الفقرات تنص على أنه "لا يجوز استخدام أموال الوقف السني والشيعي"، متسائلاً: "ماذا لو تم استخدامها؟".

ولفت إلى أنه "في فقرة اخرى يحظر استخدام مؤسسات الدولة وشعارها وسياراتها، لكن في حال تم استغلالها، لا يوجد نص قانوني واضح لمعالجة المخالفة وتحديد العقوبة وطريقة التقاضي"، مشدداً على "ضرورة وجود نصوص قانونية يحدد فيها نوع المخالفة والعقوبة المترتبة عليها".

وبين أن "تنفيذ العقوبات ممكن ان يتولاه القضاء أو تحدد بقانون مفصل أو بفقرات واضحة غير قابلة للتأويل في قانون الانتخابات، والمفوضية جهة تنفيذية ومؤسسة من مؤسسات الدولة المستقلة، تتبع رقابة مجلس النواب وتصدر تعليمات وأنظمة لتنظيم العملية الانتخابية".

وزاد الراوي أن "قانون الانتخابات في العراق مقتضب وغير مفصل، ويتكوّن من 27 صفحة فقط، بينما الحال في قوانين بعض الدول الأخرى، مثل قانون الانتخابات في أستراليا، الذي يتكوّن من 522 صفحة، ويتضمن تفصيلًا دقيقًا لكل مراحل العملية الانتخابية".

وتابع أن "إجراء انتخابات مبكرة في أستراليا يتم خلال 36 يومًا فقط، وهي مدة غير قابلة للتمديد ليوم واحد ولا لساعات، وبعدها ينعقد البرلمان الجديد وتتشكل الحكومة خلال يومين أو ثلاثة"، عازيًا ذلك إلى "وجود قانون مفصل وواضح، وغير قابل للتأويل".

وأردف: "يؤلمني أن أقول إننا بحاجة إلى ثقافة ديمقراطية"، مبيناً أن "إدارة الحملات الانتخابية في بلادنا متواضعة، وكثير من المرشحين بحاجة إلى ثقافة سياسية وانتخابية واسعة"، مؤكداً أن "90% من الأحزاب لا تمتلك مكتبًا انتخابيًا متخصصًا، يقوم عليه أشخاص لديهم معرفة بالقوانين والتعليمات، ويقومون بشرحها وتوضيحها لأعضاء الأحزاب".

وحول الدعايات الانتخابية المنتشرة في الشوارع، ذكر الراوي أن "المفوضية أصدرت تعليماتها التي ألزمت فيها المرشحين والأحزاب بإزالتها بعد انتهاء عملية الاقتراع، وفي حال عدم الإزالة، ستُفرض عقوبات على الأحزاب والمرشحين".

من جهته، وقال المرشح علاء الخوين، لشبكة "الساعة"، إن "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات كانت قد أوكلت مسؤولية متابعة ملف إتلاف الدعايات الانتخابية إلى الجهات الأمنية المختصة، وذلك بهدف ضبط أي تجاوزات أو أعمال تخريب تطال المواد الدعائية للمرشحين".

وتابع أن "القانون يتيح للمرشح المتضرر تقديم دعوى قضائية لدى المحاكم المختصة للمطالبة بحقه، إذ قد لا يقتصر الأمر على مجرد فرض غرامات مالية بحق المخالفين، بل قد يتعداه إلى اتخاذ إجراءات قانونية أكثر صرامة تبعاً لحجم الأضرار وطبيعة الفعل المرتكب".

وأكد أن "هذا التحرك يأتي في إطار سعي المفوضية لضمان سير العملية الانتخابية بشفافية وعدالة، والحد من الممارسات غير القانونية التي قد تؤثر على نزاهة التنافس الانتخابي".

وأردف أن "عملية إتلاف الدعايات الانتخابية تعكس في جوهرها أحد أوجه الصراع غير الشريف بين بعض المتنافسين في الساحة الانتخابية، وهو سلوك يُعبّر عن ضعف في الوعي الديمقراطي لدى من يمارسه، وعن عجز عن خوض التنافس الانتخابي بالطرق المشروعة التي تقوم على الإقناع والبرامج والرؤى، فقيام بعض المرشحين، أو أنصارهم بإزالة، أو تمزيق، أو تشويه دعايات خصومهم لا يمكن تفسيره إلا بوصفه دليلاً على إفلاس انتخابي، سواء على مستوى الفكر أو القدرة على كسب ثقة الناخبين بالوسائل المشروعة".

وأشار إلى أن "هذا الفعل لا يصدر عادة إلا عن مرشح فقد أدوات المنافسة الحقيقية، فعجز عن تقديم مشروع أو برنامج مقنع للناخب، فلجأ إلى محاولات تشويه صورة الآخرين أو طمس حضورهم في الشارع، وبهذا المعنى، فإن عملية إتلاف الدعايات لا تعدو كونها وسيلة غير قانونية وغير أخلاقية يسعى من خلالها بعض المفلسين سياسياً إلى التأثير على مجريات التنافس بطرق ملتوية".

وزاد أن "هذه الممارسات تسهم في تشويه العملية الانتخابية ككل، إذ تزرع روح الكراهية والانقسام بين أنصار المرشحين، وتحوّل ساحة التنافس الديمقراطي إلى ساحة خصومة وعداء، ولذلك فإن التصدي لهذه الظاهرة لا يهدف فقط إلى حماية الممتلكات العامة والخاصة، بل إلى حماية جوهر الديمقراطية نفسه، من خلال ترسيخ قيم التنافس الشريف والمواطنة المسؤولة".

ولفت إلى أن "احترام الدعاية الانتخابية للآخرين هو مقياس لمدى التزام المرشح بأخلاقيات العمل السياسي، ومن يتورط في إتلافها إنما يقدّم الدليل الأوضح على إفلاسه الفكري والسياسي، وعدم أهليته لتحمل مسؤولية تمثيل الناس في أي موقع من مواقع القرار".

وتوقع أن "تشهد الساحة الانتخابية في العراق خلال الفترة المقبلة تصاعداً في حدة التوتر بين بعض الأطراف السياسية والمرشحين، خصوصاً مع اقتراب موعد الاقتراع واشتداد المنافسة على المقاعد، فالأحداث الأخيرة التي شهدها الشارع العراقي، من بينها حادثة اغتيال أحد المرشحين، وحرق مكتب نائب مرشح، وتمزيق صور ودعايات انتخابية لعدد كبير من المرشحين، تعكس حجم الاحتقان السياسي والتنافس بين القوى المشاركة".

واستبعد أن "تتطور الأمور إلى موجة واسعة من الاغتيالات أو أعمال العنف المنظم، إذ يبدو أن تلك الحوادث تبقى محدودة الطابع، وقد تكون ذات دوافع فردية أو محلية أكثر من كونها جزءاً من نمط ممنهج، لكن في المقابل، من المتوقع أن تتزايد حالات الاعتداء على المكاتب الانتخابية والدعايات والممتلكات الخاصة بالمرشحين، باعتبارها أشكالاً من الصراع غير المباشر الذي يلجأ إليه بعض الأطراف المفلسة سياسياً أو التي تخشى فقدان نفوذها".

وأكد الخوين، أن "تأثير هذه الأفعال على العملية الانتخابية لا يمكن الاستهانة به، فهي تخلق أجواء من الخوف والاحتقان، وتضعف ثقة المواطن في نزاهة العملية الديمقراطية وأمنها، كما أنها قد تؤثر في مستوى المشاركة الشعبية إذا شعر الناخب أن التنافس لا يقوم على البرامج والرؤى، بل على الصراع والتخويف".

وشدد على أن "الدور الأكبر في هذه المرحلة يقع على عاتق الأجهزة الأمنية لضمان الاستقرار وحماية المرشحين، وعلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لمتابعة أي خروق أو تجاوزات بشكل سريع وشفاف، بما يضمن إجراء انتخابات هادئة وآمنة تعبّر عن الإرادة الحقيقية للناخب العراقي".

وبشأن إتلاف الدعايات الانتخابية، رجح المرشح سيف الجويد، خلال حديثه مع شبكة "الساعة"، أن "يكون هناك تحرك من المفوضية يعتمد على طبيعة المخالفات"، مبيناً أن "الحكومة أو البلدية هي التي تتكفل بهذا الشأن".

أشار إلى أن "بعض الدعايات الانتخابية موضوعة في أماكن بشكل مخالف"، مبيناً أن "إتلاف الدعايات هي نتيجة استهداف متعمد من كتل سياسية أو جماعات مجهولة".

وتابع أن "عملية الإتلاف والاعتداءات المتكررة للدعايات الانتخابية لها عدة احتمالات أولها هي محاولة لإرباك الخصم أو إرسال رسالة سياسية أو أمنية"، مرجحاً أن "هذه الاعتداءات قد تسفر عن فوضى انتخابية تؤثر على سير العملية الانتخابية".

وبين أن "التصعيد الذي نشهده ليس بالمرة الأولى، فقبل كل عملية انتخابية نلاحظ هكذا تصرفات سواء على الصعيد الطائفي أو العنصري أو غيرها، بالإضافة إلى التهديدات والتخوين الإعلامي المتبادل ناهيك عن محاولات تأجيل الانتخابات أو خلق فوضى".

وزاد الجويد: أن "كل هذه الأمور تؤثر على العملية الانتخابية وتقلل نسبة المشاركة الشعبية، ومن شأنها التأثير على نزاهة الانتخابات وإحراج الدولة من المجتمع الدولي".

وفي وقت سابق، أعلن مجلس الوزراء العراقي، أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستُجرى في11 تشرين الثاني / نوفمبر 2025، فيما أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جاهزيتها لإجراء التصويت في هذا الموعد.

وفي أكثر من مرة، تعهدت المفوضية باتخاذ إجراءات قانونية ضد المتورطين باعتداءات على الدعايات الانتخابية، داعيةً المرشحين والجمهور إلى احترام قواعد التنافس الشريف والابتعاد عن الممارسات التي تسيء إلى روح الديمقراطية وتضعف المشاركة الشعبية المنتظرة في الانتخابات المقبلة.

ليصلك المزيد من الأخبار والتقارير والتحليلات

اشترك بقناتنا على التليكرام

اخترنا لك