17:38:40 2025-06-25 : اخر تحديث
17:38:40 2025-06-25 : نشر في
فريق التحرير ـ شبكة الساعة
شهدت مدينة الموصل العراقية التي تُعرف بثرائها التاريخي والثقافي، يوم الجمعة الموافق 25 تموز/يوليو 2014، هجوماً منسقاً وشاملاً شنه تنظيم "داعش" استهدف معالمها الدينية والتاريخية البارزة.
في ذلك اليوم المشؤوم، أقدم التنظيم على تفجير مسجد النبي شيت وجامع النبي جرجيس، ضمن حملة واسعة وممنهجة لتدمير المواقع التراثية التي لا تتوافق مع ايديولوجيته المتطرفة، أسفرت هذه الأعمال التخريبية عن تحطيم كامل للمبنيين التاريخيين وما يتبعهما من مآذن وأضرحة، تاركةً وراءها ركاماً بدلاً من صروحٍ عريقة كانت قائمة لمئات السنين.
لم تكن هذه التفجيرات حوادث معزولة، بل جاءت ضمن سلسلة من الهجمات المماثلة التي طالت مواقع دينية أخرى في الأيام نفسها، مثل مسجد النبي يونس ومسجد الإمام عون الدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي بُني عام 1248م.
يشير هذا التوقيت المتقارب والتنسيق الواضح إلى أن هذه الأعمال لم تكن عشوائية، بل كانت جزءاً من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى محو الذاكرة الثقافية للمدينة وفرض تفسير أيديولوجي واحد، في محاولة لقطع ارتباط أهالي الموصل بتراثهم وتغيير نسيجها الثقافي والديني بشكل جذري.
لم يكن جامعا النبي شيت والنبي جرجيس مجرد مكانين للعبادة، بل كانا يمثلان ركيزتين أساسيتين في النسيج التاريخي والروحي والاجتماعي لمدينة الموصل، ورمزاً لهويتها الثقافية.
يعود تاريخ جامع النبي شيت إلى عام 1206 للهجرة، كأول بناء للمسجد، ويُعتقد أنه يضم مرقد النبي شيت (شيث)، مما يمنحه قدسية خاصة لدى أهالي المدينة، كان الجامع مركزاً مجتمعياً حيوياً لا يقتصر دوره على إقامة الصلوات الخمس فحسب، بل كان يضم مدرسة دينية ومصلى خاصاً بالنساء مع مرافق صحية، إضافة إلى بيوت للأئمة والخطباء والموظفين ليكونوا قريبين من الجامع.
كما كان له دور فاعل في توزيع المساعدات الاجتماعية وتعزيز التكافل بين أفراد المجتمع، حيث أصبح جزءاً من اللجنة المركزية للتكافل الاجتماعي في محافظة نينوى، مما عزز الروابط بين العشائر والعوائل الموصلية.
أما جامع النبي جرجيس، الذي يعود أقدم ذكر له إلى القرن الثالث الهجري، فكان كنزاً أثرياً وتاريخياً يضم معالم قيمة ونادرة، مثل شعرات من لحية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت موقوفة فيه وقادمة من إسطنبول، ومقابر قريش القديمة، ومدرسة دينية، ومطعماً خيرياً يُعرف بـ "الشورب خانة".
وقد استقطب الجامع على مر العصور العديد من العلماء والزوار، ومنهم الرحالة الشهير ابن بطوطة الذي أقام فيه فترة وتحدث عنه.
تدمير هذه المراكز لم يكن مجرد هجوم على مبانٍ دينية، بل كان اعتداءً مباشراً على البنية التحتية الاجتماعية والثقافية للموصل، بهدف تفكيك شبكات الدعم المجتمعي والمؤسسات التعليمية والذاكرة الجماعية التي كانت متجذرة بعمق في هذه المواقع.
نفذ مسلحو "داعش" عمليات التفجير بتخطيط مسبق ودقيق، مستخدمين عبوات ناسفة لضمان الهدم الكامل للمبنيين، في إطار ما وصفوه بـ "تطهير" المدينة من "الشرك"، ففي جامع النبي شيت أفاد شهود عيان من سكان المنطقة بأن مسلحي "داعش" طوقوا الجامع، الذي كان مغلقاً للصيانة منذ أشهر، قبل تفجيره في وضح النهار.
وتفيد التقارير بأن عنصراً أجنبيا من التنظيم ويدعى "المعتصم" أشرف بشكل مباشر على عملية تدمير مسجد النبي شيت، حيث كان يعطي التعليمات للمسلحين الآخرين، وفقاً لشهادات ثلاثة من مواطني المدينة لشبكة CNN.
وبالمثل، تم تفخيخ جامع النبي جرجيس وتفجيره في يوم الجمعة 27 رمضان 1435هـ/25 تموز 2014م، بعد إخلاء محتوياته القيمة، لضمان تدميره الشامل، وكانت هذه الأعمال متوافقة تماماً مع أيديولوجية "داعش"، التي تعتبر الأضرحة والتي غالبا توجد المواقع الدينية التاريخية شركاً، وبالتالي أهدافاً مشروعة للتدمير والإزالة.
ولم تكن هذه الأحداث مقتصرة على طائفة معينة؛ فبعد أسبوع واحد فقط من سيطرة "داعش" على الموصل بالكامل، تحول التنظيم من استهداف مقامات الشيعة إلى هدم مزارات وأضرحة أهل السنة أيضاً، بما في ذلك جامعي النبي شيت والنبي جرجيس ومقام السلطان عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
خلّف تدمير جامعي النبي شيت والنبي جرجيس صدمة ثقافية واجتماعية عميقة لدى أهالي الموصل، تجاوزت مجرد خسارة مبانٍ تاريخية، كانت هذه المواقع جزءاً محورياً من هويتهم الجماعية وذاكرتهم وحياتهم اليومية عبر الأجيال، حيث كانت تمثل نقاط التقاء اجتماعية وروحية.
شكلت هذه التفجيرات جزءاً من حملة أوسع لتدمير المواقع التراثية في جميع أنحاء العراق، مما أحدث شعوراً عميقاً بالخسارة والصدمة بين السكان، وأثار قلقاً دولياً واسعاً بشأن مصير التراث الثقافي العراقي الذي كان 20% من أصل 10,000 موقع أثري منه تحت سيطرة "داعش" بحلول تموز 2015.
بعد تفجير تنظيم "داعش" لجامعَي النبي شيت والنبي جرجيس في تموز/يوليو 2014، تحرّك المجتمعُ الموصلي لتعويض الفراغ الحكومي؛ فابتداءً من 28 كانون الثاني/يناير 2021 قادت جمعية "محبّي الخير" حملة تبرّعات أعادت تشييد جامع النبي جرجيس، ليُفتتح في آذار/مارس 2024 بطراز موصلي أصيل تعلوه ثماني عشرة قبّة ترمز إلى محافظات العراق، وهو إنجاز وثّقته تقارير مرئية عدة منها التسجيل الذي بثّه ناشطون يوم الافتتاح.
خلال عامَي 2022 و2023 اكتمل ترميم جامع النبي شيت بتمويل من الأهالي وجمعية "فعل الخيرات"، فيما ذكرت شبكة "الساعة" في تقرير موثق أن دور ديوان الوقف السني اقتصر على الاستشارة الفنية بشكل محدود وبالتنسيق مع وزارة الثقافة العراقية.
تعكس هذه المبادرات الشعبية، التي أعادت تشغيل ما يربو على 3 آلاف مسجد في نينوى، قدرةَ الموصليين على حماية تراثهم واستثماره اقتصادياً، خاصةً مع توازيها مع برنامج "إحياء روح الموصل" الذي حشّد أكثر من 115 مليون دولار لترميم المعالم الكبرى كالحدباء وجامع النوري، مانحاً المشاريع الأصغر خبراتٍ وحرفيين يدعمون نجاحها.
2024-07-24 11:29:54
محامية عراقية ضمن حملة ترامب!
2024-07-24 11:25:30
الحكومة العراقية تنفي صلتها بصفحات "التطبيل"
2024-07-24 11:21:23
طائرات مسيرة تجوب سماء العاصمة بغداد وتقصف مخزن أسلحة يتبع فصيلا مسلحا
2024-07-24 11:17:27
اتهامات للسياسيين السنة بالمتاجرة بنازحيهم