صورة الخبر

2024-11-29 15:55:20

استقطاع رواتب الموظفين في العراق.. هل قفزت الحكومة على القانون لتمرير قرارها؟

حجم الخط

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

فجر قرار الحكومة العراقية الخاص باستقطاع جزء من رواتب موظفي ومتقاعدي الدولة غضبا شعبيا واسعا، ولا سيما على طريقة وآلية فرضه، حيث وصفت بأنها إجبارية إلى جانب إحاطتها بالشكوك والشبهات.

وقررت الحكومة العراقية يوم الثلاثاء الماضي استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين، دون تحديد المدة الزمنية للاستقطاع ودون جعل آلية التبرع كما هي العادة عبر فتح حساب للمتبرعين، ما يجعله أقرب للتبرع الإجباري.

وعقب القرار تقدم النائب رعد الدهلكي بطلب الى رئاسة مجلس النواب لمخاطبة الحكومة بالعدول عن قرار استقطاع نسبة 1% من الرواتب، وأكد أن طريقة فرضه غير مناسبة وغير مفهومة فضلا عن أنها تفرض الاستقطاع بدل أن يكون التبرع طوعيا.

تعديل شكلي على القرار

وبسبب الرفض الواسع من شريحة الموظفين، عدلت الحكومة العراقية على قرارها السابق بشأن الاستقطاع، لينص القرار الجديد الاستقطاع الطوعي بنسبة 1% من الراتب والمخصصات، والراتب التقاعدي، ليكون لمدة 6 أشهر فقط، ابتداءً من الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وللراغبين فقط في التبرّع، وذلك لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني.

وشمل القرار بالتبرع جميع المتقاضين لرواتب من الدولة العراقية، أما الموظف والمتقاعد الذي لا يرغب بالتبرع فعليه تقديم طلب إلى الوزير المختص يطالبه فيه بإعفائه من استقطاع مبلغ من راتبه الشهري.

موظفون رافضون للقرار.. لماذا؟

شبكة الساعة التقت عددا من الموظفين العراقيين، أكدوا جميعهم رفضهم لطريقة فرض التبرع وجعله بطريقة إجباري، حيث أشاروا إلى أن الأولى أن تبادر الحكومة بفتح حسابات وتحث المواطنين والموظفين بالتبرع.

أحمد كاظم أحد موظفي مديرية تربية الرصافة في بغداد، قال لشبكة "الساعة": إنه "يرحب بأي مبادرة لدعم الأشقاء في غزة ولبنان، ولكن الطريقة التي فرضتها الحكومة العراقية هي استقطاع إجباري من الموظفين والمتقاعدين".

وأوضح كاظم أن "أغلب العراقيين لا يثقون بالجهات الحكومية العراقية ويعلمون جيدا حجم الفساد المستشري في البلاد، ومن غير المستبعد أن تذهب تلك الأموال لجيوب الفاسدين كما ذهبت أموال العراقيين من قبل".

في حين قال الموظف المتقاعد من دائرة الكهرباء في النجف، عباس العبودي، أن "المبادرة الحكومية كانت ستكون أفضل لو تم تخصيص تلك المبالغ لعائلات شهداء القوات العراقية والحشد الشعبي، لأنهم أولى بتلك التبرعات لا سيما وأن عائلاتهم يعانون من الفقر والعوز والجوع والحرمان"، حسب تعبيره.

وأكد أن "الحكومة العراقية تبتعد كل يوم عن هموم الشارع العراقي، فهي تتجاهل معاناة شريحة المتقاعدين الذين لا يكفيهم الراتب التقاعدي ولا يسد حاجتهم أصلا"، بحسب تعبير العبودي.

في حين يرى المهندس في قسم المشاريع بمحافظة نينوى وليد سالم أن "التبرع بالمال في جميع بلدان العالم ينبغي أن يكون عبر فتح حسابات خاصة ومن يرغب بتقديم العون المادي فيضع في هذه الحسابات المبالغ المالية بغية إيصالها إلى فلسطين ولبنان".

وأوضح أنه "كموظف ومواطن عراقي وعربي ومسلم قدم 3 مرات تبرعات مالية لأهالي غزة خلال الأشهر التي تلت العدوان الإسرائيلي، وبمبلغ أكثر بكثير مما ستقطعه الحكومة، ولكنه أكد أن طريقة فرضه وإجبار الموظفين عليه طريقة استفزازية كونها صدرت من جهات غير مؤتمنة على أموال العراقيين في الأساس".

أما الموظف في ممثلية التربية بإقليم كردستان يوسف الجبوري وهو نازح من محافظة ديالى فيرى هو الآخر أن "النازحين العراقيين أولى بتقديم الدعم والمساعدة المالية".

ولفت الجبوري إلى تلك الحملة كان ينبغي أن "تكون مبادرة جهد وطني لإعمار منازل النازحين المدمرة من أجل تسهيل عودتهم وإنهاء مأساة النزوح التي يعيشونها منذ 10 سنوات"، لكنه ختم حديثه قائلا إنه "سيتبرع بالمال وسيرضى بالاستقطاع خشية أن يفسر طلبه من الإعفاء من التبرع بأنه دعم للكيان الإسرائيلي".

كم تقدر نسبة الاستقطاع؟

ويقدر عضو مجلس النواب العراقي ماجد شنكالي مبالغ الاستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين بأكثر من 800 مليار دينار.

وقال شنكالي خلال لقاء متلفز تابعته "الساعة": إن "مجموع رواتب الموظفين والمتقاعدين في العراق يصل إلى نحو 80 تريليون دينار سنويًا، وبالتالي فإن استقطاع 1% من هذا المبلغ يعادل حوالي 800 مليار دينار، أي ما يفوق 600 مليون دولار سنويًا".

ونشرت هيئة التقاعد رابط التقديم إلى غير الراغبين باستقطاع نسبة (1 %) من رواتبهم، حيث يتيح الرابط للمتقاعد غير الراغب بالتبرع بالدخول إلى الرابط الإلكتروني لملء المعلومات المطلوبة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن قرار مجلس الوزراء الأخير يمثل استقطاعا من الراتب وليس تبرعا بجزء منه.

وقال المرسومي في منشور على منصة "فيسبوك": إن "نشر هيئة التقاعد الوطنية الرابط الإلكتروني للرافضين لاستقطاع الرواتب يؤكد عزم الحكومة على الاستقطاع رغم أنف الموظفين والمتقاعدين"، حسب وصفه.

هل الاستقطاع قانوني؟

ومن الناحية القانونية يرى الخبير القانوني طاهر الطائي أن استقطاع الرواتب بهذا الشكل يمثل مخالفة دستورية وقانونية رغم محاولة الحكومة تقنين تلك المخالفة عبر إضافة كلمة "تطوعيا".

وقال الطائي في حديث لشبكة "الساعة": إن "المادة 28 من الدستور نصت على أنه (لا يمكن فرض أي ضرائب أو رسوم إلا بموجب قانون بينما الاستقطاع لم يكن عبر قانون وإنما بقرار من مجلس الوزراء)".

وأضاف أن "الحكومة ومن أجل تلافي حقيقة القرار وهي الاستقطاع الإجباري وكونه مخالفة دستورية أضافت عبارة تطوعية حيث قالت إن على الرافض تقديم طلب إعفائه من الاستقطاع".

ولفت إلى "المسائل المالية المتعلقة برواتب الموظفين والمتقاعدين تخضع للقوانين النافذة، مثل قانون الموازنة العامة، وقانون رواتب موظفي الدولة"، مبينا أن "البرلمان هو الجهة المخولة بالموافقة على أي تغييرات مالية من خلال تشريع القوانين، فيما نوه إلى أن بعض الاستثناءات تخول مجلس الوزراء تقديم مقترح لإجراءات تقشفية أو إصلاحات مالية في حالة وجود أزمة اقتصادية أو عجز مالي، لكن هذه المقترحات يجب أن تُعرض على البرلمان للموافقة".

لماذا لا يشمل الاستقطاع الدرجات الخاصة فقط؟

من جانبه يؤكد الإعلامي والصحفي عبد الرحمن عماد أن "الاستقطاع كان يفترض أن يشمل رؤساء السلطات والوزراء والدرجات الخاصة والمستشارين بدلا من فرضه على موظفين قد لا يتجاوز قيمة أحدهم الـ 200 ألف دينار شهريا"،

وأشار عماد في حديث لشبكة "الساعة" إلى أن الحكومة وبدل أن تعمل على زيادة رواتب الموظفين على اعتبار أن الرواتب الحالية غير كافية لسد احتياجاتهم الشهرية قامت باستقطاع جزء منها لتزيد من معاناتهم وإن كان المبلغ المستقطع قليلا".

وأكد عماد أن "آلية تطبيق قرار الحكومة بشأن التبرع عبر الاستقطاع كفيلة بإثارة شكوك الموظفين والمتقاعدين بشأن شبهات الفساد"، مبينا أن "تجنب تلك الشبهات لا يكون إلا عبر فتح حساب خاص للتطوع بعيدا عن الفرض والاستقطاع".

اخترنا لك