صورة الخبر

07:33:04 2024-12-11 : اخر تحديث

04:49:10 2023-10-17 : نشر في

"اقتصاد المخدرات" يهدد الأمن القومي العراقي.. أذرع سياسية ومسلحة تحمي تجارتها

حجم الخط

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

يدق العراق ناقوس الخطر جراء انتشار آفة المخدرات التي تحولت إلى تهديد يوصف بأنه أخطر حتى من تنظيم داعش، فالمخدرات باتت تهدد سيادة العراق وأمنه القومي وأمنه المجتمعي برأي مختصين وخبراء.

في السنوات الأخيرة، تحول العراق من معبر وممر للمخدرات إلى مستهلك لها، فضلا عن محاولات لإنتاج المواد المخدرة وصناعتها، الأمر الذي دعا السلطات الأمنية إلى تنفيذ حملة واسعة لمكافحة المخدرات.

الأرقام التي أعلنتها السلطات العراقية كشفت عن حجم التهديدات التي يتعرض لها البلاد جراء انتشار المخدرات، كما أنها تكشف عن وجود مافيات دولية وجهات متنفذة تقف وراء عمليات المتاجرة بها في الداخل العراقي.

ومع انتشار المواد المخدرة في العراق، ما تزال البلاد معبرا لتمرير شحنات من المخدرات لبعض الدول الإقليمية، وهو ما أكدته وزارة الداخلية العراقية.

وبحسب الوزارة فإن أكثر المواد انتشارا في الداخل العراقي هي الحشيش والكبتاجون والكريستال والماريجوانا، وتدخل أغلب تلك المواد إلى العراق عبر الحدود مع إيران وسوريا.

وزير الداخلية عبد الأمير الشمري أشار إلى أن "العام الحالي 2023 شهد عمليات عديدة تستهدف أنشطة تجارة المخدرات، وكشف عن عمليات قادمة أكثر شمولا تستهدف المتعاطين لها والمتاجرين بها".

وقال الشمري في مقابلة صحفية تابعتها "الساعة": إن "المواد المخدرة في العراق تدخل من الحدود الدولية لاسيما من إيران وسوريا"، مبينا أن "العراق يستخدم شبكات دولية لتهريب المخدرات إلى دول جوار العراق، الأمر الذي يحتم أهمية وضرورة التنسيق الإقليمي والدولي والتعاون لمكافحة المخدرات"، مبيناً أن "بغداد تخوض اليوم حربا مفتوحة على المخدرات ومافياتها وتعمل على تنسيق الجهود مع دول الجوار لتحقيق إيجابية في هذا المجال".

وفي آخر إحصائية أعلنتها الداخلية العراقية في مجال مكافحة المخدرات، أكدت مديرية مكافحة المخدرات في الوزارة القبض على 12 ألف متهم بتعاطي وتجارة المخدرات منذ بداية العام 2023 ولغاية شهر تشرين أول الجاري.

وبحسب المتحدث باسم المديرية العقيد بلال صبحي فإن "المديرية تمكنت من ضبط أكثر من 3 ونصف مليون طن من المواد المخدرة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي"، مشيرا إلى أن "تلك المواد ليست معدة كلها للاستهلاك المحلي، بل أن جزءا كبيرا منها معد للتهريب إلى دول أخرى".

وتدخل أغلب المخدرات إلى العراق عبر الجانب الإيراني من محافظتي البصرة وميسان والسليمانية، كما تدخل من الجانب السوري عبر محافظة دهوك وقضاء سنجار بمحافظة نينوى والمناطق الحدودية بمحافظة الأنبار.

مصدر أمني مطلع كشف في تصريح لشبكة "الساعة" أن "مافيات وشبكات دولية تعمل على تهريب المخدرات من وإلى العراق، وأن فصائل مسلحة تسيطر على تجارتها في المناطق السنية كالأنبار وصلاح الدين ونينوى".

ولفت المصدر إلى أن "مناطق توزيع المخدرات في المناطق السنية تخضع لمعادلة سيطرة الفصائل المسلحة على المناطق، فكل جهة مسلحة تسيطر على تجارة المخدرات في المنطقة الخاضعة لها".

وأوضح أن "الجهات المؤشر تورطها بتجارة المخدرات هي الميليشيات المسلحة وتنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني"، مبينا أن "بعض أنشطة تجارة المخدرات تجري فيما بين هذه الأطراف الثلاثة وهو ما يثير علامات استفهام عن علاقة خفية تربط هذه الجهات مع بعضها".

رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق مسرور البارزاني أكد تورط جماعات مسلحة بـإعاقة جهود التصدي لتجار المخدرات.

وقال البارزاني خلال مؤتمر لمكافحة المخدرات في أربيل : إن "معدلات الاتجار بالمخدرات وتعاطيها في إقليم كردستان آخذة في الارتفاع، ما يشكل خطراً على المجتمع، كردستان تبذل جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة، وستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشارها".

ورأى البارزاني أن "المخدرات تشكل تهديداً عالمياً يؤثر على المجتمعات، والعراق وإقليم كردستان ليسا بمنأى عن ذلك"، لافتاً إلى أن "المافيا والمتاجرين بالمخدرات يستغلون الموقع الجغرافي لكردستان لتهريب المخدرات إلى أماكن أخرى؛ ما أدى إلى زيادة عدد المدمنين في الإقليم".

ولفت البارزاني إلى "استغلال بعض المجاميع المسلحة للثغرات الأمنية في مناطق المادة 140 والخاصة بالمناطق المتنازع عليها من خلال إعاقتها جهود القوات الأمنية التابعة لحكومة الإقليم في التصدي لتجار المخدرات، خصوصاً أن بعض هذه الجماعات هي جزء من شبكات الاتجار بالمخدرات".

وفي وقت سابق كشف وزير الداخلية السابق عثمان الغانمي عن تورط جهات سياسية متنفذة في الدولة بالوقوف وراء تجارة المخدرات في البلاد.

وقال الغانمي: إن "بعض الجهات السياسية وغيرها من الجهات المتنفذة تقف وراء تجارة المخدرات"، مؤكدا أن "هذا العمل الكبير والخطير لا يمكن لأي جهة صغيرة القيام به".

الباحث السياسي والأمني رعد هاشم أوضح أن "المؤشرات على الواقع تؤكد فرضية تورط الفصائل المسلحة بتجارة المخدرات في العراق".

وقال هاشم في حديث لشبكة "الساعة": إن "الأجهزة الأمنية العراقية تتابع ملف المخدرات، ولكن هذا الجهد يبقى محدودا وخجولا إذا ما قورن بحجم ومقدار تفشي المخدرات وانتشارها".

وأكد هاشم أن "هناك تأثيرات تمارسها جهات سياسية وأخرى تمارسها فصائل مسلحة في موضوع تجارة ونقل وتهريب المخدرات".

وأضاف: أن "الحديث عن تورط جهات معينة بتجارة المخدرات يحتاج إلى أدلة وقرائن، ولكن من خلال إجراء مسح عام في المناطق المحررة نجدها تخضع من حدودها إلى العمق للقوات الأمنية ومنها الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي، والتي في كثير من الأحيان تورطت في هذا الموضوع وبشكل لا يخفى على أحد".

وأشار إلى أن "تجارة المخدرات هي إحدى الأنشطة الاقتصادية التي تمارسها تلك الفصائل إلى جانب قاعات اللهو والقمار والأنشطة الاقتصادية الأخرى لتلك المجاميع"، مبينا أن "على تلك الفصائل أن تبرأ نفسها من التهم الموجهة لها في مجال تهريب المخدرات، وذلك عبر تنفيذ عمليات حقيقية ضد تجار المخدرات وإجراء فحوصات شاملة لمنتسبيها لكشف المدمنين على المخدرات كما فعلت وزارة الداخلية مع منتسبيها وضباطها سابقا".

وأقرت مؤسسات ودوائر رسمية في العراق بتسرب المواد المخدرة إلى الطلاب داخل المدارس، وأبرزها مادة الحشيش، في وقت يزداد تعاطي المخدرات بين مختلف الفئات العمرية، بسبب البطالة والفساد.

ويعد الفقر والبطالة عاملين رئيسين لانتشار المواد المخدرة في العراق، إذ تشير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن هناك 4 ملايين عاطل عن العمل في العراق، بينما تؤكد وزارة التخطيط أن 14% من الشباب العراقي عاطلون عن العمل ولا يملكون أي مصدر للدخل.

الخبير والمحلل الأمني أحمد الشريفي حذر من مخاطر تنامي اقتصاد المخدرات في العراق وتداعيات ذلك على الأمن القومي العراقي وعلى السلم والأمن الدوليين، على اعتبار امكانية استغلال موارد المخدرات في إعادة بناء القدرات القتالية للتنظيمات الإرهابية.

وقال الشريفي في حديث لشبكة "الساعة": إن "الحرب على المخدرات تعد أخطر وأشرس من الحرب على داعش، حيث إن هناك اقتصاد خاص يطلق عليه اقتصاد المخدرات يمكن أن يكون موردا ومغذيا ماليا لبناء القدرات القتالية للجماعات الإرهابية".

وأضاف: أن "مكافحة الإرهاب تتطلب جهودا غير تقليدية كالجدران التي تنشأ على الحدود وغيرها، لأن تهريب المخدرات إلى الأردن عبر طائرات مسيرة دفع الأردن إلى إدخال منظومات الدفاع الجوي في الحرب على المخدرات"، لافتا إلى "إمكانية لجوء المنظمات التي تهرب المخدرات إلى العراق إلى ذات الطريقة وعندها تكون الإجراءات التقليدية لا جدوى منها".

 وشدد الشريفي على تورط بعض الدول والمنظمات العابرة للحدود والتي تمتلك أذرعا سياسية في العراق في تأمين تجارة المخدرات، مؤكدا أن مكافحة المخدرات تتطلب ملاحقة تجارة المخدرات والجهات التي تحمي تلك التجارة وإن كانت جهات سياسية أو مسلحة".

ونوه إلى أن "الحرب على المخدرات ستحقق أهدفها إذا كانت الإرادة الوطنية حرة وكان القرار السياسي قوي وجريء ويستند على الثوابت الوطنية لاسيما وإننا نتحدث عن أن تجارة المخدرات تخترق السيادة وتهدد الأمن القومي والأمن المجتمعي من خلال استهداف الطاقات الشبابية".

اخترنا لك