-->

2024-04-09 17:08:30

كيف أخطأ بريمر بتنفيذ قرار اجتثاث البعث؟ ومن أصر على حل الجيش العراقي؟

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

+ حجم الخط -

يصف الكثير من المراقبين العراقيين ذكرى غزو العراق في التاسع من نيسان 2003 بأنها البداية لنهاية العراق، فالبلاد ما تزال تعاني تداعيات ذلك الغزو على الصعد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية.

روجت الولايات المتحدة الأمريكية لمشروع احتلال العراق بعد هجمات التاسع من أيلول / سبتمبر 2001، وساقت واشنطن ذرائع عدة لتبرير الغزو، منها علاقة النظام العراقي السابق بتنظيم القاعدة، ووجود أسلحة دمار شامل، وثبت فيما بعد بطلان وكذب المزاعم الأمريكية للاحتلال.

فرضت القوات الأمريكية السيطرة على العراق في التاسع من نيسان / أبريل، وبعدها بأيام عينت الإدارة الأمريكية جاي غارنر حاكما أمريكيا على العراق.

وفي الـ 6 من أيار / مايو، عينت الإدارة الأمريكية بول بريمر حاكما مدنيا على العراق، واستمرت سلطته على البلاد لغاية الـ 28 يونيو / حزيران 2004، أصدر خلالها عشرات القرارات والقوانين المثيرة للجدل والتي لا يزال بعضها ساريا حتى اليوم.

ويعد بريمر المهندس الأول لنظام المحاصصة الطائفية في العراق باختياره مجلسا مكونا من سبعة مساعدين من الشيعة والسنة والأكراد لإدارة الحكم آنذاك.

من أبرز القرارات التي اتخذها بريمر وما تزال تلقي بظلالها السلبية على الوضع العراقي هي قرار حل الجيش العراقي وقانون اجتثاث البعث.

يشير الحاكم المدني بول بريمر في كتابه "عام قضيته في العراق" إلى أن الإدارة الأميركية أبلغته بقرار اجتثاث البعث قبل التحاقه بوظيفته في بغداد، بعد أن أطلعه وكيل وزير الدفاع دوغلاس فيث على مسوّدة خاصة بـ "اجتثاثه من المجتمع العراقي".

وكان مرسوم قد صدر حينها يستهدف نحو عشرين ألفا من عناصر البعث ضمن مناصب قيادية معينة ومازال البعث محظورا إلى الآن ولا يسمح بتداوله أو الترويج له ويشمل من هم بدرجة عضو فرقة فما فوق.

 

أخطاء أقر بها بريمر

أقر الحاكم الأمريكي بريمر بأن قرار اجتثاث حزب البعث لم يك خطأ من حيث المضمون، لكن ترك تطبيقه إلى السياسيين العراقيين يمثل الخطأ الكبير، إذ أن القانون استخدم فيما بعد كأداة للاستهداف السياسي وتصفية الخصوم.

وقال بريمر في تصريحات نشرتها صحيفة الشرق الأوسط العام الماضي، إن "قرار الاجتثاث لم يترك العراق في وضع سيئ على الإطلاق، وأرى أنه كان قرارا صائبا".

في مطلع 2002، أعدت وزارة الخارجية الأمريكية دراسة تحت قيادة دبلوماسي أميركي يتحدث العربية، هو براين كروكر، الذي كان قد عمل في السفارة الأميركية ببغداد عام 1980، تحت عنوان "مستقبل العراق"، وخلصت الدراسة إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لحزب البعث في عراق ما بعد صدام؛ لأن حزب البعث شكل الأداة السياسية في يد صدام للسيطرة وللحكم، بحسب ما جاء في الدراسة.

وقال بريمر: إنه "قبل يوم من سفره للعراق وتسمله مهام الحكم هناك، تسلم مسودة أمر من جانب داو فايث، الرجل الثالث داخل البنتاغون تحمل وثيقة لتفكيك حزب البعث، وجاءت متسقة تماماً مع النتيجة التي خلصت إليها دراسة وزارة الخارجية، مستقبل العراق".

وأضاف: أنه "أصدر الأمر الخاص بحزب البعث، الذي صيغ على أساس القرارات التي اتخذتها أميركا"، وأشار إلى أن "القرار الأمريكي كان يقضي بتفكيك واستهداف لـ1% من قادة الحزب".

 

أداة للاستهداف السياسي

وتابع: "أنني ارتكبتُ خطأ عندما حولت مسؤولية تنفيذ أمر نطاقه شديد الضيق إلى سياسيين عراقيين، لأنه تحول بعدها إلى أداة تقاتل بين أطراف مختلفة بين العراقيين الذين حاولوا توسيع نطاق التنفيذ، وطرد أكبر عدد ممكن من البعثيين، مثل المدرسين، من وظائفهم"، مبينا أنه "كان من المفترض فعله هو اختيار لجنة مؤلفة من 5 قضاة عراقيين يتولون الإشراف على تفكيك حزب البعث".

وفي كتاب "عام قضيته في العراق" يعترف بريمر بأن "الجيش العراقي ليس كله سيئا، فالعديد من العراقيين خدموا بشرف منذ أجيال في القوات المسلحة، لكن جميع القوى الممثلة في مجلس الحكم أجمعت على حله".

وإثر حل الجيش وقع انفلات أمني لم يشهد له مثيل نتيجة انخراط أغلب عناصره في المقاومة ضد المحتل لإحساسهم العميق بالحيف والضياع في العهد الجديد، مما كبد الجيش الأميركي خسائر فادحة لم يعترف بها إلا بعد سنين.

 

بارزاني وطالباني والحكيم أبرز من دعا لحل الجيش

وأقر بريمر عقب ذلك بخطأ قرار حل الجيش العراقي بشكل كامل، لكنه أكد أن القرار اتخذ بناء على توصيه من السلطات الأمريكية من جهة، وبضغط من قيادات الأحزاب الكردية والشيعية.

وقال بريمر: إن "فعل حل الجيش العراقي كان خطاً"، وأضاف: أنه "تحدث مع بعض الضباط الأميركيين حول احتمالية استدعاء الجيش العراقي بعد أن ترك مواقعه وأسلحته خلال الحرب، ولكن عندما سمع الأكراد ذلك، أخبرني قائدا الأكراد؛ بارزاني وطالباني: إذا استدعيت الجيش العراقي، فسننفصل عن العراق"، مبينا أن "هذا كان من الممكن أن يشعل حربا أهلية في العراق"، حسب تعبيره.

وبين أنه "عندما سمع الشيعة الذين كانوا يتعاونون مع القوات الأمريكية بحسب قول بريمر قال لي الشيخ عبد العزيز الحكيم: لن نتعاون إذا ما أعدتم الجيش العراقي".

ومؤخرا صدر تقرير أمريكي لموقع "اتلانتك كانسل" وصف فيه قرارات الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر بأنها كانت السبب بدخول البلاد في الفوضى والإرهاب، مشدداً على أن حل الجيش جعل مئات من الشبان في الشارع من دون عمل أو مكافأة دنيا.

وذكر التقرير أنه "على الرغم من انتقاد الطريقة التي قاد بها الحاكم المدني بول بريمر العراق بعد الغزو ولمدة عام بسبب التبذير والفوضى، لكن القرارات الأهم التي نفذها تسببت بدخول العراق في هاوية الفوضى والإرهاب الذي تلا ذلك".

وتابع التقرير، أن "قرارات بريمر بحل الجيش العراقي ووزارة الداخلية وعدد آخر من الوزارات وضع مئات الآلاف من الشبان الذين تلقوا تدريبات عسكرية في الشارع، دون عمل ومكافأة دنيا لفعل أي شيء".

وأشار إلى أن "بريمر اعترف لاحقا بان تنفيذ تلك القرارات كان سيئا، فقد أدى حل الجيش إلى زعزعة الأمن العام والدولة في وقت بدأت فيه الفوضى وكأنها تخرج عن نطاق السيطرة".

وبين التقرير، أن "الفوضى والنهب كانا يعدان أول علامة حقيقية على أن الأمور تسير بشكل خاطئ في العراق  وكان مرسوم بريمر بمثابة تسريع، ذلك أن تبخر الجيش بحلول الوقت الذي تم فيه تنصيب اتفاق السلام الشامل يعني أن حله بحكم القانون يمكن أن يُنظر إليه على أنه تأييد أمريكي للفوضى، كما لم يكن هناك تصور واضح لما سيحدث بعد ذلك".

ويرى العراقيون الجيش العراقي على أنه المؤسسة الوحيدة التي تحمي البلاد وسيادته، وأن قوامها من جميع العراقيين بمختلف انتمائتهم الدينية والقومية والمذهبية، وجاء قرار حل الجيش ليعيد تشكيل المؤسسة العسكرية على أسس طائفية ومذهبية ما تزال ظاهرة في تقسيمات قياداتها إلى اليوم.

وما تزال القوى السياسية المتنفذة تستخدم ورقة اجتثاث البعث التي أخذت صياغة "قانون المساءلة والعدالة" في تصفية الخصوم السياسيين ولاسيما مع الانتخابات المحلية أو البرلمانية، وكان آخرها ما حصل من اجتثاث محافظ نينوى السابق نجم الجبوري وإبعاده من المنصب ومنعه من دخول الانتخابات المحلية التي جرت نهاية 2023.

اخترنا لك