صورة الخبر

17:07:10 2025-05-24 : اخر تحديث

17:07:10 2025-05-24 : نشر في

ما الدوافع الحقيقية وراء حظر السلفية المدخلية في العراق؟

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

على الرغم من الوعود التي نقلت عن الحكومة العراقية برفع الحظر المفروض مؤخرا على الحركة المدخلية، إلا أن موجة الرفض لقرار الحظر ما تزال تتصاعد في الساحة السنية.

ويأتي الرفض السني بالرغم من الملاحظات والسلبيات التي تسجل على الحركة السلفية المدخلية سواء من الجانب الرسمي الحكومي أو من الجانبين السني والشيعي في البلاد.

وتسربت معلومات تفيد بصدور قرار جديد من مستشارية الأمن الوطني بوقف قرار حظر المدخلية السلفية لكن تلك المعلومات لم تؤكد ولم يصدر بشأنها أي شيء رسمي لغاية الآن.

واتخذت الحكومة العراقية ممثلة بمستشارية الأمن القومي خطوةً أثارت جدلاً سياسياً وفكرياً واسعاً حين وجهت باتخاذ إجراءات قانونية بحق حركة المدخلية السلفية، باعتبارها من الحركات الدينية المتطرفة التي تهدد الاستقرار الداخلي.

ونشر القرار الذي وصف بالسري في طابعه الرسمي علناً في الـ 19 أيار / مايو الجاري، مما كشف عن توجه أمني جديد قد يعيد رسم العلاقة بين الدولة والحركات الدينية داخل الطيف السنّي.

وأثار قرار الحكومة العراقية تصنيف حركة المدخلية ضمن الحركات الدينية المتطرفة التي تهدد الاستقرار الداخلي، امتعاضاً واسعاً ولا سيما من الكتل السياسية المنتمية إلى المكون السنّي، والتي حذرت من مغبة التعامل الأمني مع المجموعات ذات الخلفية الدينية في البلاد.

السلفية المدخلية

يُعرف التيار المدخلي أو "الجامية" نسبةً للشيخ محمد أمان الجامي بأنه تيار سلفي برز في السعودية، ويُعد الشيخ ربيع بن هادي المدخلي (مواليد 1931 أو 1933) مرجعيته الأبرز، واكتسب التيار زخمًا ملحوظًا إبان حرب الخليج الثانية (1991) بدعمه موقف الحكومة السعودية بالاستعانة بالقوات الأمريكية، مقابل معارضة تيار "الصحوة".

ويُنظر إلى أن الحكومة السعودية عززت دور المدخلية لموازنة التيارات الإسلامية الأخرى المنتقدة لسياساتها، ويعد المرتكز الأساسي للمدخلية هو التأكيد المطلق على "طاعة ولي الأمر"، استنادًا إلى تفسيرهم لنصوص يرون أنها توجب السمع والطاعة للحاكم المسلم، حتى لو كان فاسقًا ما لم يُظهر "كفرًا بواحًا"، وذلك لتجنب الفتنة.

وبعد سقوط نظام صدام حسين ظهرت المدخلية في العراق كتيّار منظّم للمرة الأولى؛ فقبل 2003 لم تتجاوز وجودَ خلايا فرديّة متفرّقة بلا إطار مؤسَّس، الفراغ الأمني وسيولة المشهد الديني بعد الغزو وفّرا لهم أرضيةً خصبة، فتوسّعوا سريعاً في مساجد بغداد ومدن سنّية أخرى.

عام 2007 ألقى زعيمهم المحلي أبو منار العلمي محاضرةً شهيرة حرّم فيها قتال القوات الأميركية بدعوى "انتفاء شروط الجهاد" وواجب طاعة "المتغلب" درءاً للفتنة، ورأى أنّ إطلاق النار على الجنود داخل المدن يُعرّض المدنيين للخطر ولا يُعدّ جهاداً مشروعاً.

هذا الخطاب يطابق مبدأ المدخلية العالمي الذي يوجب السمع والطاعة للحاكم القائم ولو كان غير مسلم ويرفض العمل المسلّح أو السياسي ضده.

موقفهم الهادئ جعلهم تياراً سنّياً مفضَّلاً لدى الحكومات العراقية المتعاقبة؛ فدخلوا في ديوان الوقف السُني وأصبحت لهم القدرة على عزل أئمّة منافسين وتعيين موالين، ما مكّنهم من التمدّد على حساب تيارات سنّية أخرى أكثر تصادماً مع السلطة في حينها.

كما تميزت الحركة المدخلية على مدى أعوام بمواقفها المناهضة للعنف والمناصرة للدولة والحكومات المتعاقبة، واصطفت إلى جانب السلطة، فحرّمت التظاهر أو الخروج على الحاكم مما جعلها تصنف من قبل كثيرين على أنها تيار موالٍ للسلطة.

وترى جهات سنية أن قرار الحظر يأتي على خلفيات طائفية تحاول إقصاء أي تيارات سنية وإن كانت فكرية فقط، والبعض الآخر وجدها لا تخرج عن السياق السياسي لتمكين تيار فكري سني آخر يعرف بقربه من إيران متمثلا بجماعة الرباط المحمدي، في حين يرى آخرون أن الحظر جاء انعكاسا لصراع داخلي بين تيارات دينية سنية.

رفض لقرار الحظر

وحذرت كتل سياسية من مغبة استهداف التيارات التي وقفت مع الدولة وساندتها بسبب انتمائها المكوناتي.

وعبر تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر عن خشيته من أن يشكل القرار تجاوزاً خطراً على الحريات الدينية والفكرية، كما حذر من أن مثل هذه الإجراءات قد تأتي بنتائج عكسية وتدفع بعض أتباع الحركات الدينية نحو مزيد من الانغلاق والتطرف.

كما أعلن غالبية النواب السنة عن رفضهم لقرار الحظر، وعدوه تجاوزا على الحرية الفكرية والدينية ولا سيما أن هذا التيار لا يشكل أي تهديد للأمن والدولة.

أما رئيس مجلس النواب محمود المشهداني فأشار إلى وجود من يريد إقحام الموقف الأمني الرسمي خصماً وحكماً، بين جماعة سنية ضد جماعة سنية أخرى، وسط صراعات يشهدها المذهب الواحد.

ونوه المشهداني في بيان إلى أن الحركة السلفية المدخلية، لم تناهض الحكومة العداء، بل ولا تجيز الخروج على الحكومة والحاكم، وشجعت على الانتماء للجيش والشرطة منذ 2003، وبين أن وجود جماعات تناهض جماعات أخرى العداء، تحاول جعل المؤسسات الأمنية والمخابراتية جزءاً من صراعها الذي يستغربه المجتمع العراقي عموماً، والمجتمع العربي السني خصوصاً.

المشهداني كشف أن مجلس النواب بصدد تشكيل لجنة تحقيقية حول القرار، موضحاً أن اللجنة ستضم لجنة الأوقاف والشؤون الدينية، واللجنة القانونية، ولجنة الأمن والدفاع، ولجنة حقوق الإنسان، حول حظر هذه الجماعة، بما يوحي بتجريمها مسبقاً، ورأى أن قرار الحظر يقوّي طرفاً على طرف، ويمنع حرية الاعتقاد والرأي والتعبير والقول، المكفولة بالدستور العراقي.

تعزيز نفوذ جماعة الرباط المحمدي

يؤكد الباحث والخبير الاستراتيجي يحيى الكبيسي أنه لا يمكن فهم قرار حظر المدخلية السلفية إلا في سياقه السياسي، وليس السياق الأمني الذي تدعيه مستشارية الأمن القومي.

وقال الكبيسي في مقال منشور في صحيفة "القدس العربي": إن "قرار مستشارية الأمن القومي، يثير سؤالا عن كيفية وصف جماعة تحظر العمل في السياسة، ومن غلاة القائلين بطاعة ولي الأمر حتى وإن كان كافرا متغلبا بأنها حركة تشكل تهديدا عالي المستوى للسلم المجتمعي والأمن القومي؟".

وأضاف أن "الجواب يرتبط بموقف الفاعل السياسي الشيعي ومن خلفه إيران من جماعة صوفية مستحدثة ظهرت لأول مرة علناً في سياق الحرب على داعش وتحمل اسم مجلس علماء الرباط المحمدي، والتي امتازت بمواقفها المعلنة الداعمة للميليشيات الشيعية التي كانت تقاتل حينها في تلك المناطق".

وتابع أن "الفاعل السياسي الشيعي وخصوصاً الفصائل المسلحة العقائدية المرتبطة بإيران عمدت إلى دعم هذه الجماعة (الرباط المحمدي) بشكل علني وواسع في محاولة لتدجين المجتمع السني دينيا من خلال تبني مقولات عقائدية تتعارض مع التراث السني، فقد سوقت هذه الجماعة مثلا لسردية عيد الغدير بحمولتها الشيعية، ومن أجل ذلك عمل الفاعل السياسي الشيعي على تمكينهم، عبر التلفزيون الرسمي العراقي الذي أتاح لهم فرصة تقديم برنامج تلفزيوني يقدمه أحد شيوخ الجماعة للترويج لخطابهم، كما عملت على تمكينهم داخل الوقف السني من خلال منح أحد شيوخهم العضوية في المجلس الأعلى للأوقاف، كما تحظى هذه الجماعة بدعم مالي مجهول المصدر، وعلى الأغلب يأتي من خلال دعم الفاعلين السياسيين الشيعة لها من أجل مد نفوذها في المجتمع السني".

واستدرك الكبيسي: أنه "من هنا يمكن فهم قرار حظر السلفية المدخلية في العراق وفهم طبيعة الصراع بينها وبين جماعة الرباط المحمدي، وهو صراع لا يقف عند الحدود التقليدية بين السلفية والصوفية، بل يرتبط بحرص الفاعل السياسي الشيعي على أن تخلو الساحة السنية من أي تيار عقائدي يمكن أن يشكل عائقا أمام تسويق الأفكار المنحرفة لجماعة الرباط المحمدي عن مقولات أهل السنة أو يفضح هذه الأفكار وغاياتها السياسية".

كما أضاف في مقاله: أن "دخول الدولة طرفا في التلاعب بالعقائد لأهداف عقائدية وسياسية هو وصفة للخراب لا بد للعقلاء من التصدي لها فهكذا محاولات ستستدعي بالضرورة خطابا مضادا ويمكن أن يفضي إلى ردود فعل تتجاوز الخطاب".

تمهيد لاستهداف التيارات السنية

من جهته وصف الباحث في الشأن السياسي عبد القادر النايل قرار حظر المدخلية في العراق بالقرار الطائفي المصنوع في أروقة الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

وقال النايل في حديث لشبكة "الساعة": إن "إن قرار مستشارية الأمن الوطني في العراق بحظر المدخلية في العراق هو قرار طائفي بامتياز صنع داخل أروقة الفصائل المسلحة التي اجتمعت مع التوجيه العقائدي ومحاربة التطرف وقسم من هذه تديرها الرباط المحمدي الذي دائما ما يشارك المعممين التابعين له باستعراض الفصائل المسلحة أو تأبين قاسم سليماني الإيراني وهم معروفون باستهداف سنة العراق مع تلك الفصائل من خلال اعتقالات كاذبة لغرض الحصول على دعم تلك الفصائل وأجنحتها السياسية وبالفعل أسندت  إليهم بعض الوظائف في الأمن الوطني وديوان الوقف السني".

وأضاف أن "استهداف المدخلية وهم أعداد قليلة لا يقصد منه أتباع المدخلية السلفية، إذ إن البداية تكون منهم لغرض استهداف تيارات سنية فكرية أخرى والا إذا كان اتهام المدخلية بأنهم جزء من التكفير (وهو اتهام كاذب) فهل يمكن لمستشارية الأمن الوطني حظر فرق من الشيعة ولاؤها لنظام ولاية الفقيه ولا تعترف بمرجعية النجف أو حظر تيار الشيرازية الذي يكفر أهل السنة بشكل علني ولديه نشاط كبير في العراق ومقرات في النجف".

 وبين أن "هذا التساؤل والقياس يؤكد أن قرار حظر المدخلية هو بداية لاستهداف مكونات سنة العراق والتدخل الفعلي داخلهم باستغلال مؤسسات الدولة وهو فعل طائفي مفضوح"، حسب تعبيره.

قرار يثير الاستغراب

في حين يرى الشيخ محمد الشماع إمام وخطيب جامع النبي يونس عليه السلام سابقا عدم وجود أي مبرر لحظر تيار المدخلية السلفية.

وأوضح الشماع في حديث لشبكة "الساعة": أن المعلومات تفيد بأن قرار الحظر تم إلغاؤه".

وأضاف أنه "لا يوجد مبرر لهذا الحظر لأن المدخلية السلفية جماعة تعمل بمبدأ طاعة ولي الأمر وعدم تأييد الاحتجاج والتظاهر".

وأعرب عن "استغرابه الشديد لقرار الحظر لأن الجماعة ليسوا جماعة سياسية وبالأصل تعرض الكثير من رموزها لاغتيالات من جانب القاعدة وداعش لاختلافهم معهم في الرؤى والتطبيق".

 خلاف داخل التيارات السلفية

في حين يرى المتابع للشأن العراقي حميد الضاري أن السبب وراء الحظر يرجع إلى خلافات بين التيارات السلفية.

وقال الضاري في حديث لشبكة "الساعة": إن "التيارات السلفية في العراق انقسمت منذ العام 2003 إلى ثلاث فئات رئيسية:

1.  فصيل الجهاد والمقاومة: انخرط في القتال ضد القوات الأمريكية، واعتبره جهاد دفع.

2. المدخلية (أتباع ربيع المدخلي): أرجأوا القتال بدعوى عدم التكافؤ مع العدو، ورفضوا الخروج على الحاكم، حتى إن كان كافرًا أو فاسقًا، وشددوا على التحذير من التيارات الأخرى.

3. تيار أبو منار العلمي (تكريت): أجاز التعاون مع الاحتلال الأمريكي والدخول في سلك الشرطة والجيش، متذرعًا بضرورة حفظ الأمن وتقليل الشرور.

وأشار الضاري إلى أن "الانقسامات بين التيارات السلفية تحولت إلى صراعات طويلة الأمد، وصلت حد التبديع والتفسيق والتخوين المتبادل وقد دار الخلاف الأكبر بين:

المدخلية: التي ترى أنها تمثّل السلفية "الحقة" وتقوم بتصنيف غيرها على أساس الولاء للحاكم ومحاربة الحزبية.

جماعة أبي منار العلمي: التي تنتمي إلى توجّه الشيخ علي الحلبي، وترى أن التيار المدخلي متشدد ويؤدي إلى فتنة داخل المجتمعات السلفية".

وأوضح أن "سبب الحظر في العراق إلى تطور الخلافات بين التيارين (المداخلة والعلميين) إلى حد تقديم شكاوى وتقارير من جماعة أبي منار ضد المدخلية، اتهمت فيها الأخيرة بالتحريض وبث الفتنة داخل المؤسسات الأمنية والتعليمية والدينية، وقد وصلت هذه التقارير إلى محكمة صلاح الدين، التي بدورها رفعتها إلى الجهات العليا في الدولة، ما نتج عنه حظر جماعة المدخلي رسميًا في بعض المناطق، واعتقال عدد من الدعاة التابعين لهذا التيار، وإغلاق عدد من المراكز والمساجد المرتبطة به".

اخترنا لك