صورة الخبر

10:46:05 2025-04-08 : اخر تحديث

10:46:05 2025-04-08 : نشر في

قلق متصاعد من الانتهاكات.. قضية المغدور بشير خالد تؤكد غياب العدالة في العراق

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

هزت قضية مقتل المهندس بشير خالد خلال احتجازه من قبل الشرطة العراقية الأوساط الرسمية والشعبية في العراق، على الرغم من أن الحادثة هي واحدة من مجموعة قضايا مماثلة تم الكشف عنها والتي تؤكد الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان داخل مراكز الاحتجاز والسجون في البلاد.

وعمت حالة من الغضب الشعبي عموم العراق عقب مقتل الشاب المهندس جراء تعرضه للتعذيب والضرب الشديد خلال ساعات من توقيفه في أحد مراكز الشرطة في العاصمة بغداد على خلفية حادثة شجار مع لواء في الشرطة الاتحادية المدعو عباس التميمي الذي يشغل منصب مدير الرواتب في قوات الشرطة الاتحادية.

وفي تفاصيل الحادثة، تشير المعلومات إلى أن الضحية وبعد الشجار مع اللواء في الشرطة الاتحادية أوقفته عناصر من الشرطة في مركز شرطة حطين حيث تعرض هناك إلى الضرب والاعتداء من قبل مجموعة من نزلاء السجن وهو ما أظهرته المقاطع المصورة التي نشرتها وزارة الداخلية، غير أن مقاطع أخرى وتصريحات النائب حسين عرب أكدت تعرض المجني عليه أيضا لتعذيب من عناصر الشرطة بتوصية من اللواء في قوات الشرطة الاتحادية وضباط آخرين.

ونتيجة للتهم الموجهة لوزارة الداخلية بشأن تواطؤها وتورطها في الحادثة، حاولت الوزارة تبرئة ساحتها عبر نشر مقاطع مصورة تبين إحداها الضحية وهو يدخل أحد المجمعات السكنية من خلال اقتحام أحد أسوارها وفي مقطع آخر وهو يظهر في مركز الاحتجاز أثناء شجاره مع مجموعة من النزلاء بسبب ملابس ثم تعرضه للضرب من قبل المسجونين.

ومن المفارقات في قضية مقتل المهندس بشير خالد أنه حفيد أحد أعمدة تاريخ الأمن العراقي اللواء نشأت بهجت البكري أحد كبار رجالات الشرطة ومؤسس كلية الشرطة العراقية، حيث لم ينجُ حفيد الرجل الذي خط اسمه في ذاكرة القانون والعدالة والذي له مؤلفات تدرس في جامعات العالم وساهم في تأسيس أنظمة شرطية متكاملة في دول عربية كالسعودية، وليبيا، والمغرب، واليمن من الفوضى وغياب القانون وانعدام العدالة التي يعيش فيها العراق منذ العام 2003 ولغاية اليوم.

وبعد موجة الغضب الكبيرة التي أثارها مقتل المهندس بشير خالد والانتقادات الموجهة للسلطات العراقية عن غياب العدالة في العراق، وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيق وإعلان نتائجها أمام الرأي العام.

كما أعلن البرلمان العراقي عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بالحادثة وإعلان نتائجها بغرض محاسبة المتورطين بمقتل المهندس.

وقال النائب حسين عرب في تصريح لشبكة "الساعة": إن "ما حصل جريمة نكراء لا يمكن السكوت عليها لأنها حصلت بعلم وزارة الداخلية التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن الحادثة".

وأضاف أن "جميع المؤشرات والمعلومات والدلائل تؤكد تعرض المهندس بشير إلى التعذيب والضرب الشديد من قبل المحتجزين من جهة، وكذلك تعرضه للتعذيب من قبل عناصر الأمن بتوصية من اللواء في الشرطة الاتحادية وضباط آخرين في مديرية شرطة الكرخ".

وحذر البرلماني حسين عرب الذي أعلن تنبي قضية المهندس الضحية من "التلاعب في مجرى التحقيقات من خلال نقل الضباط والتستر على الوقائع وكذلك توزيع النزلاء المتواجدين في القاعة التي تعرض لها الضحية للتعذيب إلى قاعات وسجون أخرى"، فيما كشف عن أن "إدخال المهندس المغدور إلى الاحتجاز تم خلافا للقانون ودون وجود مذكرة قبض من القضاء".

وأكد عرب: "انعدام الثقة بالتحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية والتي تحاول تلفيق سيناريوهات كاذبة من أجل تبرير ما حدث والتقليل من شأن الجريمة التي تمثلت بدخول شاب بريء نتيجة مشاجرة إلى مركز التوقيف وخروجه جثة هامدة".

 وشدد على "ضرورة أن ينحصر التحقيق في الحادثة بمجلس القضاء الأعلى حصرا من أجل كشف العدالة وتطبيقها ومحاسبة المجرمين، فيما تعهد بأن تقوم لجنة تقصي الحقائق البرلمانية بإظهار نتائج التحقيق أمام الرأي العام وكشف الجناة وجميع المعلومات أمام الرأي العام".

وكانت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي ممثلة بالنائبة نيسان الزاير زارت خالد قبل وفاته في وحدة العناية المركزة بمستشفى الكرخ، وعدت الزاير أن التحقيق الأولي في هذه القضية بين تواطؤا واضحا من الضباط لإيقاع أشد الضرر بالضحية.

كما طالبت مجلس النواب باستضافة وزير الداخلية وقائد شرطة بغداد الكرخ لبيان أسباب الانتهاكات التي تطال المعتقلين، خاصة أنها ليست المرة الأولى.

وكان ابن عمة الضحية، نشأت البكري، قد قال في منشور على حسابه في "فيسبوك": إن "المهندس بشير خالد ذهب الى الله وجسمه مليء بآثار التعذيب لتكون شاهدة على وحشية و بربرية هذه الدولة".

وأضاف قريب الضحية: "عار على الشعب العراقي إن سكت، وعار على الدولة إن سكتت، وعار على الإنسانية إن لم تنتفض اليوم في العراق، انتفاضة حتى القصاص".

وأعلنت نقابة المهندسين العراقية، الحداد على وفاة المهندس بشير خالد، وذكر بيان للنقابة، أنها "قررت تعطيل الدوام الرسمي في المركز العام للنقابة وجميع فروعها في المحافظات ولمدة 3 أيام ابتداءً من يوم الثلاثاء، على روح المهندس بشير خالد، الذي فارق الحياة جراء التعذيب، واستنكارًا واحتجاجًا لهذه الجريمة البشعة وتضامنًا مع عائلة الفقيد وزملائه".

وأشارت النقابة إلى أن "حادثة وفاة المهندس نتيجة التعذيب ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي اعتداء صارخ على كرامة الإنسان العراقي، وانتهاك فاضح للقيم الإنسانية التي تتأسس عليها المجتمعات المتحضرة، ويجب أن تُحدث زلزالًا تصحيحيًا لكل المؤسسات المعنية بالتعامل مع المواطن".

وأضافت أن "نقابة المهندسين العراقية تؤكد بشكل قاطع أنها لن تتوانى عن الدفاع عن حقوق المهندس بشير، ولن تتخلى عن المطالبة بكشف الحقيقة كاملة، ومحاسبة جميع المتورطين في هذه الجريمة، مهما كان نفوذهم أو مواقعهم، إن الكرامة والعدالة ليست شعارات فارغة، بل هي مبادئ راسخة ستبقى النقابة ملتزمة بها بكل ما أوتيت من قوة".

ويبدو أن حادثة مقتل المهندس فتحت الباب مجددا أمام ملف الانتهاكات والتعذيب داخل السجون ومراكز الاحتجاز العراقية، والتي تعبر عن عدم التزام الجهات الحكومية ولا سيما الأمنية في التعهدات التي تقطعها الحكومة عقب الكشف عن حوادث القتل للموقوفين والمعتقلين جراء التعذيب.

وفي هذا السياق، أكد مدير مركز العراق لحقوق الإنسان علي العبادي أن حادثة ضحية التعذيب في السجون المهندس بشير خالد كشفت عن استمرار الانتهاكات في السجون ومراكز التوقيف العراقية دون توقف. 

وقال العبادي في تصريح لشبكة "الساعة": إن "ملف انتهاكات حقوق الإنسان ما تزال مستمرة في السجون العراقية والتي هي تعد مخالفة لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 التي وقع عليها العراق وكذلك المادة 37 من الدستور التي نصت على حرمة التعذيب"، مبينا أن "حادثة مقتل المهندس ما هي إلا تحريك للجامد والمخفي داخل السجون".

وتابع أن "مركز العراق وعبر حضوره في المحافل والمؤتمرات واللقاءات المباشرة مع الحكومة العراقية والجهات المختصة أشار إلى وجود الانتهاكات الجسيمة في السجون العراقية ولا سيما أجهزة التحقيق ولكن لم يرَ الجدية في معالجة تلك الانتهاكات".

وطالب العبادي بـ"إنفاذ القانون من خلال الالتزام بالقوانين واللوائح الدولية التي تنص على احترام حقوق الإنسان نطالب بتحقيق حيادي وتحت إشراف مجلس القضاء الأعلى ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، كما طالب بفتح السجون أمام المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وتكثيف الدورات التدريبية للمنتسبين للحد من الانتهاكات والخروقات المسجلة".

كما شدد على "ضرورة فتح تحقيق حيادي وتحت إشراف مجلس القضاء الأعلى ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة للتحقيق في حادثة مقتل المهندس وباقي الانتهاكات والخروقات في السجون العراقية".

لكن جهات حقوقية عراقية أخرى لا تثق بالتحقيق عبر السلطات العراقية وتؤكد على ضرورة فتح تحقيق دولي في جرائم التعذيب في العراق.

وطالب مركز جنيف الدولي للعدالة عبر بيان ورد لشبكة "الساعة" بفتح تحقيقٍ دولي شامل في جميع حالات التعذيب المرتكبة في العراق، ولا سيما تلك التي أسفرت عن وفاة الضحايا خلال السنوات القليلة الماضية.

وأكدّ المركز أن "استمرار غياب المساءلة سيؤدّي إلى تكرار هذه الانتهاكات، كما حدث في حالة المهندس الشاب بشير خالد لطيف الهيتي، الذي فارق الحياة بعد 4 أيامٍ من الغيبوبة الناتجة عن تعرّضه لتعذيبٍ مُبرح على يد ضابطٍ كبير في الشرطة العراقية، وبمشاركة أبنائه وأفراد حمايته، بالإضافة إلى عناصر شرطة آخرين".

وأوضح المركز أنه "سبق أن وثّق مع لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تقارير مفصلة توثق حالات التعذيب في العراق، وتحدّد المسؤولين عنها، فضلًا عن إظهار العجز الكامل للسلطات العراقية في اتخاذ إجراءات فعّالة لمكافحة هذه الانتهاكات".

وأشار إلى أن "إسناد التحقيقات إلى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية لن يؤدّي إلى كشف الحقائق، نظراً لوجود اتهاماتٍ جدّية بتورّط هذه الجهات في العديد من الانتهاكات، الأمر الذي يفقدها الحياد والمصداقية".

ودعا المركز إلى أن "تتولى جهاتٍ قضائية دولية مستقلة التحقيق في هذه الجرائم، بمشاركة ممثلين عن الضحايا ومنظمات المجتمع المدني، بما يضمن الشفافية وتحقيق العدالة".

وأكد مركز جنيف الدولي للعدالة أن "جريمة مقتل المهندس بشير خالد المروّعة تمثل حلقة جديدة في سلسلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في العراق، والتي بقيت محاسبة المسؤولين عنها حتى الآن، فيما دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ولجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب إلى اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلّة في هذه الجريمة وسائر جرائم التعذيب في العراق، والعمل على محاسبة المسؤولين عنها، وإنصاف الضحايا وعائلاتهم، ووضع حدٍ للإفلات من العقاب".

وأطلق ناشطون دعوات للتصدي لجرائم التعذيب والانتهاكات داخل السجون ومراكز التوقيف العراقية، مؤكدين أن حوادث القتل التي يتعرض لها الأبرياء في السجون لو كانت حصلت في دول أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد وربما أطاحت بحكومات وأنظمة مستبدة تتستر على تلك الجرائم.

وقال الناشط أحمد الركابي في حديث لشبكة "الساعة": إن "العراق يشهد حالة من الغليان والتصعيد الإعلامي فقط بعد الكشف عن جرائم القتل التي تحصل داخل السجون، ولكن تلك القضايا تغلق بعد أيام قليلة ويتم التستر على الجناة".

وأوضح أن "الجهات والمنظمات الحقوقية ونشطاء حقوق الإنسان وفئات المجتمع وعموم العراقيين مطالبين بموقف حازم تجاه تلك الانتهاكات لأن السكوت عليها يعني أن العراقيين عموما معرضون لأن يكونوا ضحايا كالمغدور بشير خالد وغيره من ضحايا التعذيب".

وبين أن "هذه الحادثة وغيرها من جرائم القتل والتعذيب الممنهج وانتهاكات حقوق الإنسان في العراق تتطلب موقفا رافضا ومتصديا لتلك الممارسات المقصودة كما حصل مع المواطن الأميركي جورج فلويد الذي فجرت وفاته موجة احتجاجات عارمة في الولايات المتحدة وكذلك الشابة الإيرانية مهسا أميني التي أشعلت الاحتجاجات في طهران".

ولفت الركابي إلى أن "غالبية العراقيين لا يثقون بجميع السلطات العراقية وأنهم يعلمون جيدا أن العدالة غائبة في بلادهم ولا تحضر إلا في الشعارات"، مبينا أن "الشباب العراقيين المهاجرين إلى خارج البلاد يدركون جيدا أن خيار رحيلهم عن الوطن كان الخيار الصحيح ويتأكدون من صحة خيارهم عندما يتم الكشف عن هكذا انتهاكات في وسائل الإعلام".

 ونوه إلى أن "ما يكشفه الإعلام لا يمثل سوى الجزء اليسير من جملة الانتهاكات التي تضج بها السجون الحكومية العراقية".

اخترنا لك