2025-08-30 18:25:20
الكاتب: أسماء الكبيسي
في خطوة وصفت بأنها تحول جذري في بنية التشريع العراقي، صوت مجلس النواب العراقي بتاريخ 27 آب/أغسطس 2025 بالأغلبية لصالح اعتماد "مدونة الفقه الجعفري للأحوال الشخصية" كمرجعية قانونية رسمية لأتباع المذهب الشيعي، وهو ما يراه خبراء قانونيون ومراقبون تهديداً مباشراً لهوية العراق القانونية التي تأسست على مبدأ وحدة القانون.
يأتي هذا القرار استكمالاً لتعديلات سابقة على القانون رقم (188) لسنة 1959، الذي ظل لعقود طويلة مرجعاً موحداً لقضايا الأحوال الشخصية لجميع العراقيين، دون تمييز مذهبي أو ديني، وهو ما شكل نموذجاً فريداً في المحيط العربي، حيث يسود الانقسام الطائفي والتشريعات المتباينة.
لم يكن قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 مجرد نص قانوني، بل كان مشروعاً فكرياً واجتماعياً يعكس توجه الدولة العراقية آنذاك نحو بناء دولة مدنية موحدة، قائمة على العدالة والمساواة وقد ألغى هذا القانون المحاكم الشرعية ذات الطابع الطائفي، وأرسى مرجعية مدنية واحدة تنظر في شؤون الأسرة لجميع المواطنين، سنة وشيعة، مسلمين وغير مسلمين.
ومن أبرز خصائص القانون، منح المرأة حقوقاً غير مسبوقة حينها، مثل تقييد تعدد الزوجات، وتنظيم الطلاق، ومنح الحضانة والنفقة، والاعتماد على مقاصد الشريعة لا على النصوص الجامدة، ما جعله صمام أمان اجتماعي وقانوني.
لكن هذا النموذج بدأ بالتآكل بعد عام 2003، حين فتحت مرحلة ما بعد الاحتلال الباب أمام صعود الهويات الطائفية، وتفكك الدولة المركزية، وبدأت الدعوات تظهر لإلغاء وحدة القانون لصالح تشريعات مذهبية "خاصة"، بحجة احترام التعدد الديني.
المدونة التي أقرت تتضمن أكثر من 300 مادة، وتغطي شؤون الأسرة كافة، من الخطوبة والزواج إلى الطلاق والإرث ومن أبرز ما جاء فيها: منح حضانة الطفل للأب بعد بلوغه سن السابعة، وإلغاء شرط موافقة الزوجة الأولى في حالة التعدد، وإسقاط الحضانة عن الأم إذا تزوجت، فضلاً عن تجريدها من النفقة إذا تركت منزل الزوجية، ما يراه المدافعون عنها "امتثالاً للعقيدة"، تراه جهات مدنية وحقوقية تراجعاً عن مكتسبات المرأة والطفل، وفتحاً لباب التمييز المقنن.
ويستند المؤيدون للمدونة إلى المادة (41) من الدستور، التي تنص على "حرية العراقيين في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم ومذاهبهم"، إلا أن هذا النص يصطدم بالمادة (14) التي تنص على المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز.
التحدي الحقيقي الذي يواجه العراق اليوم لا يتعلق فقط بصياغة قانون جديد، بل في فلسفة الدولة التي يريد العراقيون بناؤها: هل هي دولة مواطنة توحد أبناءها تحت قانون واحد، أم دولة طوائف لكل منها تشريعها؟ وهل يمكن الحديث عن مساواة وعدالة إذا كان القانون ذاته يتغير بتغير المذهب والانتماء؟
المخاوف من "لبننة" الدولة العراقية ليست مبالغة، بل واقع تفرضه التشريعات الأخيرة، حيث يتم تحويل المذاهب إلى جزر قانونية مستقلة، وتختزل المواطنة إلى طائفة، وتفتح أبواب المحاكم لصراعات لا تنتهي بين التأويلات والمرجعيات.
إن ما يجري لا يتعلق فقط بحقوق المرأة أو الأسرة، بل بمستقبل العراق كدولة واحدة فحين يفصل القانون على مقاس الطائفة، وتشرعن الانقسامات باسم "الخصوصية الدينية"، تصبح الدولة في خطر تفكك قانوني لا يقل خطراً عن التفكك السياسي أو الأمني.
وإن الدفاع عن قانون أحوال شخصية موحد لا يعني إنكار التعدد الديني، بل حماية للجميع تحت مظلة العدالة والمساواة، أما اعتماد المدونات الطائفية كمرجع قانوني رسمي، فهو مسار خطير يهدد جوهر الدولة، ويجعل من القانون أداة لزرع الفتنة لا تنظيم الحقوق.
وبذلك فإن العراق الآن أمام لحظة حاسمة: إما الحفاظ على هويته القانونية الجامعة، أو الانزلاق نحو واقع تفقد فيه الدولة مركزيتها، ويتحول فيها المواطن إلى "تابع" لمذهب، لا إلى شريك في وطن.
2025-10-10 05:22:26
الطاقة الشمسية.. كيف يمكن أن توفّر للعراق أكثر من 200 مليار دولار؟
مأمون العاني
2025-08-30 11:25:20
العراق على مفترق قانوني: هل تنهار وحدة الدولة تحت عباءة "المدونات المذهبية"؟
أسماء الكبيسي
2025-05-30 11:42:21
الرباط المحمدي: منابر التصوف أم أذرع ناعمة لنفوذ طهران؟
سعد عواد
2023-03-20 00:58:01
بعد 20 عاما من الغزو الأمريكي.. العراق في أي حال؟
رائد الحامد
2023-03-09 01:57:33
صورة ضبابية لمستقبل حكومة "الإطار التنسيقي"
رائد الحامد
2023-01-01 10:04:24
العراق.. لماذا يتم تهريب الدولار؟
عبد الحسين الهنين
2022-10-17 23:16:09
لماذا فشل السوداني في أول اختبار؟
أنس السالم