صورة الخبر

05:43:36 2025-06-12 : اخر تحديث

05:43:36 2025-06-12 : نشر في

هل يتحول العراق إلى ساحة مواجهة بين أمريكا وإيران بعد الإخلاء الجزئي؟

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

طبول الحرب تقرع من جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وصداها أصبح مدويا في العراق، لاسيما مع محاولة الفصائل العراقية الموالية لطهران إقحام بغداد في هذا الصراع كونها تؤمن بأنها جزء من المنظومة الإيرانية الأمنية في مواجهة التهديدات الأمريكية.

وخلال الساعات الأخيرة، باشرت الولايات المتحدة تنفيذ عملية إجلاء جزئي لسفارتها في العراق، وفق ما أكده مسؤولون أمريكيون وعراقيون لوكالة رويترز، وسط تصاعد المخاطر الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وتشمل الإجراءات السماح لعائلات العسكريين بمغادرة بعض المواقع العسكرية الأمريكية في المنطقة.

وفي السياق ذاته، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن "الجمهورية الإيرانية لا يمكنها امتلاك سلاح نووي"، وجاء التصريح تعليقا على تقارير تتحدث عن نقل أفراد من الطواقم الدبلوماسية، قائلًا: "نقوم بنقلهم لأنه قد يكون مكانا خطرا".

وهدد ترامب مرارا بضرب إيران عسكريا في حال فشلت المفاوضات بشأن برنامجها النووي، وقال في تصريح أمس الأربعاء إن "ثقته في التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن وقف تخصيب اليورانيوم تتراجع"، في وقت يضع فيه البيت الأبيض وقف التخصيب كشرط أساسي في أي تفاهم نووي.

من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي إن قرار الإجلاء الجزئي جاء نتيجة "مراجعة دورية حديثة لتموضع الموظفين الأمريكيين في الخارج"، وأكدت أن "وزارة الخارجية تتولى متابعة هذه المسألة"، كما أفاد مسؤول في البيت الأبيض بأن "الرئيس ترامب على اطلاع مباشر على خطة الإجلاء".

وتأتي الإجراءات الجديدة في ظل تصاعد التوتر الإقليمي المرتبط بالحرب المستمرة على غزة منذ 18 شهرا، وسط تحذيرات متزايدة من احتمال اندلاع مواجهة أوسع بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى.

واكتفى الجانب العراقي بالتأكيد على أن خطوة إخلاء بعض العاملين غير الأساسيين في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية ببغداد، تأتي ضمن إجراءات تخص الوجود الدبلوماسي الأمريكي في عدد من بلدان الشرق الأوسط، ولا تقتصر على العراق فقط.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مصدر حكومي قوله: إن "الجانب العراقي لم يسجل أي مؤشر أمني يستدعي الإخلاء"، مجدداً التأكيد على أن "كل المؤشرات والإيجازات الأمنية تدعم تصاعد قراءات الاستقرار واستتباب الأمن الداخلي".

ورفعت القوات الأمريكية حالة التأهب بقواعدها في محافظة الأنبار وإقليم كردستان العراق، وسط تصاعد التوترات الإقليمية ومخاوف أمنية متزايدة.

وبحسب تقارير ترجمتها شبكة "الساعة" فإن "الولايات المتحدة تستعد للرد على ضربات إيرانية محتملة على قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، فيما تتهيأ البعثات الدبلوماسية الأمريكية لإجلاء الموظفين غير الأساسيين وعائلاتهم من العراق ودول الخليج مثل البحرين والكويت".

في الأثناء، أعلن وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده أن بلاده ستستهدف جميع القواعد الأمريكية في المنطقة إذا فرضت عليها الحرب، مشيرا إلى نجاح اختبار صاروخ إيراني جديد عالي التدمير.

وقال نصير زاده في تصريحات صحفية: "إذا فُرض الصراع علينا، فسنستهدف كل القواعد الأمريكية، وأيدينا على الزناد".

وشدد الوزير على أن "طهران لن تقبل أي قيود مفروضة عليها، ولن تسمح لأحد بالتفاوض بشأن أمنها وقدراتها الدفاعية"، وأضاف: "إذا اندلع صراع، فستكون الخسائر البشرية للطرف الآخر أكبر بكثير من خسائرنا"، مشيرا إلى أن "أي هجوم على القواعد الأمريكية سيكون شاملاً ودون أي اعتبارات".

أما بعثة إيران لدى الأمم المتحدة فأكدت أن "التهديد الأمريكي باستخدام القوة الساحقة لن يغير الحقائق"، مشددة على أن "طهران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، وأن النزعة العسكرية الأمريكية لا تؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار".

ويأتي هذا الموقف ردا على تصريحات قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، الذي قال إنه قدم للرئيس ترامب "مجموعة واسعة من الخيارات" لمنع إيران من تطوير سلاح نووي.

ورغم تبني الحكومة العراقية خيار الحياد وتجنب الصراع الدائر في المنطقة بين الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا من جهة، وإيران من جهة أخرى، إلا أن قادة الفصائل المسلحة المقربون من إيران حسموا أمرهم بالوقوف مع حلفائهم الإيرانيين في حال اندلعت الحرب، وهو ما عبر عنه زعيم كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي، الذي هدد باستهداف الوجود الأمريكي والإطاحة ببعض الأنظمة في المنطقة تحتمي بالولايات المتحدة، حسب تعبيره.

وقال الولائي في تغريدة عبر منصة "X" وتابعتها شبكة "الساعة": إنه "في حال اندلعت الحرب سيكون المئات من الاستشهاديين على الموعد وسيذل كبرياء أمريكا ثانية كما ذل في أول مرة حين خرجت أمريكا تجر أذيال الخيبة، وحينها لن تبقى باقية لها ولا لعمائلاها، وستسقط أنظمة كانت تحتمي بالاحتلال".

وبالعودة لقرار الإجلاء الدبلوماسي الأمريكي الجزئي من العراق بالتوقيت الحالي، أكد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن الإجراء الأمريكي يعد تحولا خطيرا وبداية لمرحلة تتسم بالتغيير الجذري في التعامل الأمريكي تجاه العراق.

وقال الشمري في حديث لشبكة "الساعة": إن "الإجراء الأمريكي الأخير بشأن الإجلاء الجزئي يختلف عن إجراءات الخارجية الأمريكية الخاصة بتقليص النفقات عبر إنهاء التعاقدات مع الشركات والمتعاقدين في العراق والذي اتخذ في نيسان الماضي وتم تنفيذه في آيار الماضي".

وأضاف الشمري: أن "الإجراء الأخير يؤشر إلى أمرين، الأول تعثر المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، والثاني إدراك واشنطن أن العراق هو الأرض الأكثر رخوة لتحرك الفصائل المسلحة العراقية إذا ما حدث احتكاك بين أمريكا وإيران أو إسرائيل وإيران".

 وأوضح أن ذلك يأتي في ظل عدم استجابة السلطات العراقية لمطالب واشنطن بشأن تفكيك الفصائل المسلحة الأمر الذي يجعل العراق الساحة الأكثر خطورة في حال حدث النزاع في المنطقة.

وتابع: أن "القلق في العراق يتصاعد بسبب عدم حسم الجانب العراقي لشكل العلاقة مع الجانب الأميركي، أهي علاقة صداقة أو تحالف أو عداء"، منوها إلى أن "عدم وجود سفير أمريكي لمدة عام يعني وجود تغيير جذري في الاستراتيجية الأمريكية تجاه العراق".

وبشأن قدرة الحكومة العراقية احتواء التصعيد وتجنيب العراق الدخول في هذا الصراع، قال الشمري: إن "السوداني حاول مرارا ضبط الفصائل لكنه عندما عجز لجأ إلى إيران ثم إدارة بايدن ونجح حينها في التوصل لهدنة جنبت فيما بعد العراق ضربة إسرائيلية، لكن التصريحات العراقية الأخيرة تشير إلى وجود ارتباك في حكومة السوداني".

واستبعد رئيس مركز التفكير السياسي قدر الحكومة العراقية على "ضبط الفصائل في حال حدث الصراع، كما استبعد قدرتها على التأثير على الجانب الأمريكي لتجنيب العراق تداعيات الصراع، فضلا عن عدم قدرتها التأثير على إيران إذا ما تعرضت الأخيرة من أجل الاستماع للمطالب العراقية بشأن تجنيب الجغرافية العراقية الاشتباك".

أما الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية فراس إلياس فيرى في قرار إخلاء السفارة الأميركية في بغداد انعكاسا للأجواء المتوترة التي تحيط بالمفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وكذلك انعكاسا للمخاوف من إقدام إسرائيل على عمل عسكري ضد إيران خارج إطار الرغبة الأميركية.

وقال إلياس في حديث لشبكة "الساعة": إن "الضبابية التي تحيط بالقرار الأميركي بخصوص (الاستعداد لإخلاء السفارة الأميركية في بغداد) بسبب تصاعد المخاطر الأمنية في المنطقة، يشير إلى إجراء احترازي أكثر من كونه تعليق لعمل السفارة الأميركية في بغداد، لأن طاقم السفارة الأميركية كبير جداً، ولا يمكن إخلائه بقرار مفاجئ، بل ترتيبات عالية المستوى".

وأضاف أن "هذا الإجراء ليس الأول من نوعه، فقد اتخذت واشنطن مثل هذا الإجراء في مرات سابقة، عندما نقلت جزء من طاقمها الدبلوماسي الفائض عن الحاجة إلى مقر القنصلية الأميركية في أربيل، ومن ثم إعادتهم لبغداد بعد انخفاض مستوى التهديد المحتمل، وعلماً هذا الإجراء الأخير غير مقتصر على العراق، بل شمل البحرين والكويت ايضاً".

وتابع أن "ما يجري في بغداد حالياً، ما هو إلا انعكاس للأجواء المتوترة التي تحيط بالمفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وكذلك مخاوف من إقدام إسرائيل على عمل عسكري ضد إيران خارج إطار الرغبة الأميركية".

ونوه إلى أنه "حتى اللحظة لا يوجد توجه  أميركي حقيقي بإيقاف عمل كامل السفارة الأميركية أو تعليق عملها، فهي مخاوف أمنية لا أكثر،  خصوصاً وأن مثل هذا القرار سيكون له تأثير كبير على العلاقات الأميركية العراقية في المرحلة المقبلة".

ويستضيف العراق حاليا نحو 2500 جندي أمريكي، ويتعاون في الوقت نفسه مع فصائل مسلحة مقربة من إيران، ما يجعله في موقع حساس ضمن المشهد الإقليمي.

ومنذ اندلاع الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كثفت الجماعات المسلحة الموالية لطهران هجماتها ضد القوات الأمريكية في العراق، رغم تراجع وتيرتها خلال الأشهر الماضية.

وشهد العام الماضي أول مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، تبادل خلالها الطرفان إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، عبر أجواء العراق، في تطور غير مسبوق.

وشملت الضربات الإسرائيلية أهدافًا لفصائل موالية لإيران داخل الأراضي العراقية وفي سوريا، ضمن استراتيجية أوسع تستهدف تقليص نفوذ طهران الإقليمي.

وتُستأنف في الأيام المقبلة المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وسط تسريبات عن استعداد طهران لتقديم مقترح جديد، بعد رفض واشنطن العرض السابق.

اخترنا لك