صورة الخبر

08:46:32 2025-06-05 : اخر تحديث

08:46:32 2025-06-05 : نشر في

مجزرة الصقلاوية.. حين استنجد المدنيون فقوبلوا بالاختطاف والتغييب

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

بدموع ونحيب لا ينقطعان، تستذكر سلوى محمد الذكرى التاسعة لمجزرة الصقلاوية والتي فقدت فيها 3 من أبنائها الذين مايزالون في خانة المغيبين، دون أن تكشف السلطات العراقية مصيرهم مع أكثر من 640 رجلا تم اختطافهم في ذات المجزرة.

سلوى (56) عاما من سكنة ناحية الصقلاوية بقضاء الفلوجة، شاركت مع مجموعة من النساء في استذكار المجزرة لتجديد الدعوة للجهات الحكومية بالكشف عن مصير أبنائهم وذويهم الذين اختطفهم وغيبتهم جهة أمنية عراقية كانت ضمن القوات المشاركة في استعادة السيطرة على الفلوجة في حزيران عام 2016.

تقول سلوى لشبكة "الساعة": إن "أبنائها الثلاثة كانوا من بين آلاف المدنيين الذين هربوا من منطقة ألبو عكاش في ناحية الصقلاوية بسبب المعارك والقصف العنيف"، وبينت أن "المدنيين تمكنوا من الهرب ولجأؤوا إلى القوات العراقية المحيطة بالمنطقة لكن تلك القوة قامت باختطاف مئات الشباب بعد عزلهم عن النساء والرجال المسنين والأطفال واقتادتهم إلى جهة مجهولة ولم يعرف مصيرهم لغاية اليوم".

وأضافت أن "ذوي المغيبين لم يتركوا بابا من أبواب السلطات المحلية والمركزية والحكومية والبرلمانية والقضائية إلا وقد طرقوه لمعرفة مصير المغيبين لكن دون نتيجة".

وأشارت إلى أن "العائلات بحثت في جميع مراكز الاعتقال والاحتجاز والطب العدلي والمستشفيات ومخيمات النازحين دون أن يجدوا لهم أي أثر، فيما وجهت مناشدة للسلطات بالكشف عن مصير أبنائهم أو اعتبارهم من الشهداء ليكنوا أسوة بباقي الضحايا الشهداء الذين منحت عوائلهم بعض الامتيازات المادية والمعنوية".

وخلال عمليات استعادة الفلوجة، هاجمت القوات العراقية ناحية الصقلاوية شمالي المدينة، وكما هو الحال عند اقتحام أي مدينة يجبر الأهالي على الهروب من شدة المعارك والقصف، غير أن الهاربين من جحيم المعارك في الصقلاوية وقعوا في نار الاختطاف والتغييب على يد قوة عراقية كان يفترض أن تبادر لحمايتهم بدل استهدافهم.

وبحسب شهادات الشهود فإن الجهة المتورطة باختطاف 643 مدنيا من الصقلاوية قوتين الأولى هي الحشد الشعبي والثانية الشرطة الاتحادية، حيث تم تغييب واختطاف المدنيين لدى وصولهم إلى قاطع مسؤولية تلك القوات في أطراف الناحية.

ورغم تشكيل الحكومات المتعاقبة لجان لتقصي الحقائق وإطلاقها الوعود بالكشف عن مصير المغيبين ومحاسبة المتورطين بجريمة اختطافهم، إلا أن أي من الشعارين لم يجد طريقه للتنفيذ، فلم يتم إطلاق سراح مغيب واحد منهم، ولم يتم محاسبة أي عسكري على جريمة اختطاف وتغييب وربما تصفية مئات المدنيين العراقيين بدافع طائفي.

ووجهت منظمة العفو الدولية في أكثر من مناسبة دعوات للحكومة العراقية بكشف تفاصيل الحادثة ومحاسبة المتورطين بالمجزرة من الفصائل والقوات الأمنية العراقية، غير أنها أكدت أن دعواتها ومطالبتها لم تلق الاستجابة.

الصقلاوية تفتح ملف المخفيين قسرا

ومع مرور الذكرى التاسعة لمجزرة الصقلاوية، طالب مرصد أفاد المعني بحقوق الإنسان، الحكومة العراقية، والقضاء بالكشف عن مصير المخفيين قسراً على يد الفصائل المسلحة، والكف عن العبث بحقائق المقابر الجماعية التي عُثر عليها في تلك المنطقة، ومزاعم أن جميعها تعود لضحايا قتلهم تنظيم "داعش"

وقال المرصد في بيان ورد لشبكة "الساعة": إن "المئات من العراقيين تم إخفاؤهم قسرا على يد فصائل مسلحة منضوية في الحشد الشعبي في الثالث من حزيران عام 2016، بمنطقة الصقلاوية شمالي الفلوجة، دون أن تواجه الحكومات المتعاقبة أي مسؤولية أخلاقية أو قانونية في البحث عنهم أو معرفة مصيرهم".

وأضاف أنه "في الـ 3 من حزيران 2016، نزحت مئات العائلات العراقية من قرية البو عكاش، التي سيطر عليها داعش، واتجهوا إلى مناطق شرقي الأنبار حيث الطريق المتجه إلى العاصمة بغداد، لكن فصائل مسلحة منضوية ضمن الحشد الشعبي، أوقفت العائلات وعزلت الرجال عن النساء والأطفال واقتادت مَن أعمارهم بين 13 عاما فما فوق، تحت مزاعم التدقيق الأمني، غير أنهم لم يظهروا منذ ذلك الحين، فيما نقل الجيش العراقي النساء والأطفال لاحقا إلى مخيم للنازحين، دون أن يُفصح هو الآخر عن مصير الرجال الذين تم اقتيادهم".

وتابع بيان المرصد: أن "أهالي المنطقة يحيون بمثل هذا اليوم من كل عام ذكرى تغييب الرجال الذين تخطى عددهم الإجمالي الـ 700 رجل، تتراوح أعمارهم بين 13 و81 عاما، بينهم 460 شخصاً من أسر واحدة، بمعنى أن 460 عائلة تم تصفية رجالها".

واتهم مرصد أفاد فصائل "كتائب حزب الله"، و"العصائب"، و"النجباء"، و"بدر"، و"سيد الشهداء"، و"جند الإمام"، و"الخراساني"، و"الطفوف"، و"سرايا عاشوراء"، إضافة إلى فصائل بارتكاب جرائم إبادة بحق العراقيين السنة بين 2014 و2017، تحت ذريعة مقاتلة تنظيم "داعش".

وأردف المرصد أن "تلك الجهات نفذت عمليات خطف واسعة للمدنيين في مناطق انتشارها وسيطرتها ووثقت بعضها بمشاهد مصورة بُث بعضها على منصة فيسبوك، لأفراد من تلك الجماعات لعمليات فصل الرجال عن أسرهم واقتيادهم على شكل طوابير لأماكن مجهولة بين عامي 2014 و2017، ولم يظهروا منذ ذلك الوقت".

وأوضح المرصد أن "الصقلاوية وبزيـــــــبز والرزازة والرطبة وذراع دجلة والكيلو 160 وبيجي وتكريت والدور والإسحاقي وبادوش وحمام العليل والرياض والشرقاط وجرف الصخر والكرمة تتصدر كأعلى المدن المنكوبة في عدد المختطفين من الرجال على يد تلك الجماعات".

وطالب مرصد أفاد، الحكومة العراقية، والقضاء بـ"التحلي بالشجاعة للكشف عن مصير المخفيين قسراً على يد تلك الفصائل، والكف عن العبث بحقائق المقابر الجماعية التي عُثر عليها في تلك المنطقة، ومزاعم أن جميعها تعود لضحايا قتلهم تنظيم داعش".

وزاد بالقول: إن "القضاء العراقي ما زال مُصرا على تسيس قضية آلاف المختطفين والمغيبين ويماطل في فتح تحقيق عادل وشفاف لإنصاف الضحايا وذويهم ومعاقبة المجرمين، كما ويلقى اللوم على وزارة الداخلية وهيئة الحشد الشعبي ومديرية استخبارات وزارة الدفاع وجهاز المخابرات الوطني في التستر على المتورطين عبر تجميد محاضر التحقيق الخاص بواقعات الاختطاف بضغوطات أو بإهمال متعمد".

وأشار إلى أنه "على الرغم من أن السلطات العراقية لم تف لغاية الآن بتنفيذ قرار البرلمان بصرف مرتبات إعانة شهرية لذوي الضحايا المختطفين بسبب الإجراءات المطولة التي عادة ما تقع النساء ضحيتها أمام أبواب الدوائر الحكومية، إلا أن الخطوة كشفت عن أعداد كبيرة لضحايا الاختطاف والتغييب التي تتورط بها فصائل مسلحة نافذة بالبلاد، وهي أرقام مرشحة للارتفاع".

غياب العدالة ومنح الامتيازات لمرتبكي الجرائم

ويؤكد الكاتب والصحفي العراقي إياد الدليمي أن حادثة الصقلاوية تؤكد غياب العدالة في ملف المختطفين والمغيبين على يد الفصائل المسلحة والذين يزيد عددهم عن 12 مغيبا خلال معارك استعادة المدن من "داعش"، ولفت إلى أن مأساة الصقلاوية مثلبة بحق النظام السياسي ومؤسساته وخاصة المؤسسة القضائية التي رضخت لمنطق القوة.

وقال الدليمي في حديث لشبكة "الساعة": إن "ذكرى مأساة حادثة الصقلاوية تأتي في وقت حرج جدا حيث تسعى الحكومة العراقية إلى تصفية وتصفير العديد من الملفات العالقة والتركة الثقيلة التي ورثتها من الحكومات السابقة ومنها ملف المغيبين".

وأضاف أن "الحادثة وللأسف مازالت تأكل من جرف العدالة في العراق خاصة إذا علمنا أن الأعداد لا تتعلق فقط بمغيبي الصقلاوية وإنما أيضا بنحو 12 ألف عراقي لا يعرف مصيرهم حتى اليوم والكثير منهم خطفوا من قبل الفصائل المسلحة التي تورطت بمثل هذه الانتهاكات ولم تنجح كل الجهود في معرفة مصيرهم".

 وبين أنه "لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في العراق بينما تحتضن السلطات العديد من الفصائل المسلحة وتمنحها امتيازات ومواقع حكومية وتسمح لأحزابها السياسية حق المشاركة في الانتخابات"، مشددا على أن "مأساة الصقلاوية تبقى مثلبة بحق النظام السياسي ومؤسساته وخاصة المؤسسة القضائية التي رضخت لمنطق القوة الذي يسود عدة مفاصل في جسد الدولة العراقية ولم تتعاطى مع هذا الملف الدقيق والحساس بمهنية وموضوعية".

ولفت الدليمي إلى أن "الحكومة العراقية بمؤسساتها مطالبة بأن تضع حداً لهذه الكارثة الإنسانية، إذ أن هناك مئات العوائل التي مازالت تبحث عن مصير أبنائها، وإذا لم يُصار إلى عدالة انتقالية تساهم في كشف الجهات الفاعلة وتحاسبهم فأن العراق سيبقى في خانة الدول التي تعاني من التمزق في نسيجها المجتمعي".

اخترنا لك