صورة الخبر

07:58:39 2024-12-27 : اخر تحديث

18:34:48 2024-12-24 : نشر في

بدر شاكر السياب... في ذكرى رحيل رائد الشعر الحر الذي خلد العراق بقصائده

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

تحلّ اليوم ذكرى وفاة الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، الذي غيّبه الموت في 24 كانون الأول/ديسمبر 1964 بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا إرثًا أدبيًا غنيًا ومؤثرًا أعاد تشكيل المشهد الشعري العربي الحديث.

حياة قصيرة وبصمة خالدة

وُلد بدر شاكر السياب في قرية "جيكور" بمحافظة البصرة عام 1926، تلك القرية التي رسمها في قصائده كملاذ الطفولة وفضاء للذكريات الحزينة، لا سيما مع رحيل والدته وهو في سنّ مبكرة، ما ألقى بظلاله على مشاعره وأشعاره لاحقاً.

لم يحظَ السياب بوسامه الشكل أو صحة جيدة، فقد لازمته الأمراض منذ صغره، الأمر الذي انعكس على مسيرته الحياتية والعاطفية، حيث عاش حالة من التناقضات بين التفاؤل والتشاؤم، والحب واليأس.

التعليم والتكوين

التحق السياب بمدرسة باب سليمان الأولية ثم المدرسة المحمودية في أبي الخصيب، قبل أن يكمل دراسته الثانوية في ثانوية البصرة وفي عام 1943 انتقل إلى بغداد للالتحاق بكلية التربية دار المعلمين العالية حيث بدأ بدراسة اللغة العربية، ثم تحول لاحقاً إلى قسم اللغة الإنجليزية، رغبة منه في الاطلاع على الأدب الإنجليزي والعالمي.

وفي بغداد، تعرف السياب على الأدب الغربي وقرأ لشكسبير، كيتس، إليوت، وملتون، كما تأثر بالأدب الفرنسي الرومانسي وأعمال لامارتين وهوجو، وقاده هذا الاطلاع الواسع إلى تجديد أساليبه الشعرية، مبتعداً عن التقليدية ومتجهاً نحو الحداثة.

وخلال سنوات دراسته، التقى بزملائه من الشعراء والكتّاب الذين أسسوا لاحقاً ملامح الشعر الحر، وفي مقدمتهم نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي.

ثورة على الشعر التقليدي

يُعد بدر شاكر السياب من أوائل من كسروا قوالب الشعر العربي التقليدي، فأطلق مع زملائه حركة "الشعر الحر"، والتي جاءت استجابة للتغيرات الاجتماعية والسياسية الكبرى في منتصف القرن العشرين، وكان السياب يرى أن الشعر التقليدي لم يعد قادرًا على التعبير عن هموم الإنسان العربي وتطلعاته.

برزت قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر" كواحدة من أعظم قصائد الشعر الحر، إذ عبّرت ببلاغة عن الألم والحزن الممزوج بالأمل، وارتبطت بمشهد العراق السياسي والاجتماعي المضطرب في تلك الحقبة.

"عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ

أو شُرفتانِ راح ينأى عنهما القمرْ

عيناكِ حين تبسِمانِ تُورِقُ الكرومْ

وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهرْ".

الهمّ الوطني والإنساني

تميّز شعر السياب بتنوع موضوعاته وعمق إحساسه بالمعاناة الإنسانية، كان العراق حاضراً بقوة في قصائده، سواء من خلال رمزية "جيكور" أو صورة بغداد الغارقة في صراعاتها، لم يتوقف السياب عند الهمّ الوطني فحسب، بل امتدت رؤيته لتشمل القضايا الوجودية والإنسانية.

رغم كل الغربة والانكسار، ظل العراق بالنسبة للسياب وطنًا لا يغيب عن وجدانه، حتى في أحلك لحظاته كان يرى في بلاده جمالًا لا يضاهى وتجلى هذا الإحساس بوضوح في أبياته:

"الشمس أجمل في بلادي من سواها،

حتى الظلام هناك أجمل،

فهو يحتضن العراق".

قصائده مثل "المومس العمياء"، "حفّار القبور"، و"غريب على الخليج" عكست ألمه الشخصي والوطني، خاصة مع شعوره بالغربة والانكسار في سنواته الأخيرة.

المرض والنهاية المأساوية

عانى السياب في سنواته الأخيرة من مرض عضال أفقده القدرة على الحركة والتنقل، ورغم الألم الجسدي والنفسي، لم يتوقف عن الكتابة، ليترك لنا إرثاً كبيراً من الدواوين الشعرية.
توفي بدر شاكر السياب في مستشفى الكويت وهو في الـ38 من عمره، ليعود جثمانه إلى العراق حيث دُفن في قريته "جيكور"، بعد حياة قصيرة لكنها غنية بالإنجازات الأدبية.

إرث أدبي خالد

رحل السياب لكنه بقي خالداً في الذاكرة الأدبية العراقية والعربية، وترك مجموعة من الدواوين أبرزها:

  • "أزهار ذابلة" (1947)
  • "أنشودة المطر" (1960)
  • "المعبد الغريق" (1962)
  • "منزل الأقنان" (1963)

أعاد السياب بكتاباته روح الشعر إلى الحياة المعاصرة، وفتح أبواب التجديد، ليصبح رائداً للشعر الحر الذي ألهم أجيالاً من الشعراء.

كلمات لا تُنسى

تبقى مقاطع من شعر السياب خالدة:

"جيكور؟

قد أضعتُ نفسي في المدينةْ

في الحوانيتِ، في الشوارعِ، في زحامِ الأوجهِ الغريبةْ

والظلالِ المطمئنة.

جيكور؟

من يُعيدني إلى ضفافكِ الحنونِ،

إلى عُشبكِ يا خضراءْ؟".

اخترنا لك