صورة الخبر

2024-07-24 11:20:33

قانون الأحوال الشخصية العراقي.. سحب التعديلات يُؤجّل الصراع لكن لا يُنهيه

حجم الخط

سعد عواد ـ شبكة الساعة

بعد رحلةٍ شاقةٍ من نقاشاتٍ ومُنازعاتٍ، أعلن البرلمان العراقي قبل قليل سحب مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية من جدول أعماله، تاركًا وراءه علامات استفهامٍ حول مستقبل هذا الملف الشائك.

وعلى الرغم من أنّ مصير التعديلات بات مُعلّقًا، إلا أنّ الجدل المُثار حولها لا يزال يُهيمن على الساحة العراقية، تاركًا بصماته على مختلف أوجه المجتمع.

وكان التعديل يحتوي على فقرات وبنود تعبر عن تفسيرات دينية لا تناسب البلاد المتنوعة ثقافيا ودينيا ومذهبيا، كما ضمّ فقرات اعتبرت أنها حد أو حرمان لحقوق الأم والزوجة والمرأة وتحيز للرجال.

وتباينت الآراء حول هذه التعديلات التي تُقدم خيارات جديدة لم تكن موجودة مُسبقًا، وتُمسّ بمسائل حساسة مثل اختيار المذهب (سني أو شيعي) والمساواة بين الجنسين، ونظام الزواج والطلاق، وحضانة الأطفال، ناهيك عن أحكام الميراث.

وينص قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا في العراق على أن للأم الحق بحضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، غير أن التعديل يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، وللولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل كان ينوي تخييره بعمر 7 سنوات فقط.

 

ويشترط القانون المعمول به حاليا، على أن يكون التفريق وفقا للقانون المدني، لكن التعديل المقترح أن يتم وفقا للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق.

 

وتضمن إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وأيضا ابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية، بحسب خبراء متخصصون.

 

وقالت النائب سروة عبد الواحد في لقاء متلفز تابعته شبكة "الساعة" أن "مقترح القانون لم يمرر على البرلمان وتقدم به النائب رائد المالكي بمفرده إلى رئاسة البرلمان لفرضه على الواقع دون الرجوع إلى البرلمان لبيان أسباب تعديل القانون".

 

وأضافت أن "هناك نواب منذ الجلسة السابقة يعتزمون تشريع القانون قبل أن يطالب الصدر بتشريعه"، مشيرة إلى "وجود تنافس بين الكتل الشيعية في تشريع قوانين للمكون الشيعي"، مؤكدةً أن "تعديل قانون الأحوال الشخصية جاء لمنافسة الصدر بعد دعوته لتشريع قانون عيد الغدير".

 

 

ويصف الأكاديمي فراس إلياس، محاولة تعديل قانون الأحوال الشخصية بهذه الطريقة غير المدروسة، وانتكاسة حقيقية لحقوق المرأة، وأكبر جريمة بحق الأسرة العراقية. 

 

 

بدوره يدافع النائب رائد المالكي عن تعديل قانون الأحوال الشخصية، مبيناً أن التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية هو تنفيذ لأحكام المادة 41 من الدستور التي تنص على أن العراقيين أحرار في أحوالهم الشخصية.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها قوى سياسية عراقية، إلى إلغاء أو إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية ففي عام 2003 ألغى رئيس "مجلس الحكم" آنذاك عبد العزيز الحكيم، قانون الأحوال المدنية لسنة 1957، حين تسلم رئاسة المجلس قبل أن يعيد الحاكم الأمريكي المدني بول بريمر العمل به سنة 2004.

وتأجلت القراءة والتصويت على القانون منذ عام 2019 بعد أن شهدت بغداد تظاهرات متكررة لنساء ورجال رافضين له

ويقول عضو اللجنة القانونية في البرلمان محمد الخفاجي، إن "هناك أجندات خارجية ومنظمات دولية تقف بوجه تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتسعى إلى منع إقراره داخل مجلس النواب من خلال نشر أفكار مضللة حول قانون التعديل".

وأضاف أن "هذه المعارضات تستند إلى آراء غير عراقية ومواقف متحيزة، تهدف إلى إعاقة التقدم التشريعي بما يتماشى مع احتياجات المجتمع العراقي"، مبيناً "نحن نرفض هذه الضغوطات ونتمسك بحقنا في إجراء التعديلات اللازمة التي تضمن حقوق جميع أفراد الأسرة".

ولم يقتصر الخلاف وتباين الآراء سياسيا ومجتمعيا فهناك خلاف قانوني حول تفسير تعديل القانون الجديد ففي الوقت الذي يرى فيه الخبير القانوني علي التميمي، أن "تعديل قانون الأحوال الشخصية يبدو أمراً طبيعياً لا سيما أن القانون صدر قبل أكثر من 60 عاماً مثل الطلاق التعسفي، كما يحصل الآن لأتفه الأسباب، وهو ما يتطلب تشديد العقوبة فضلاً عن المادة الـ46 التي تتعلق بالطلاق الخلعي، والتي تتطلب موافقة الزوج بينما ليس هناك حاجة لذلك بوجود صلاحية المحكمة، والأمر نفسه ينطبق على المادة التي تخص الحضانة التي هي الأخرى تحتاج إلى تعديل".

من جانبه يقول الباحث في الشأن القانوني عمار الشمري، إن "التعديل المنشور يمثل صدمة وكارثة كبيرة على المجتمع العراقي، وبالفعل سيطلق رصاصة الرحمة على المجتمع، باعتباره سيكون رديفا أو يُلغي القانون الحالي ويؤسس لمحاكم أخرى خارج سلطة القضاء، وهو ما يجب أن يتنبه له البرلمان، الذي انشغل خلال الفترة الأخيرة بقوانين مثيرة للجدل على حساب تشريعات أخرى ضرورية".

اخترنا لك