صورة الخبر

2024-06-26 11:15:29

اليوم العالمي لمكافحة المخدرات.. هل تنجح الجهود العراقية في مكافحة "الإرهاب الأبيض"؟

حجم الخط

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

باتت مشكلة المخدرات والتي تعرف بـ "الإرهاب الأبيض" من أكبر التحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه العراق، وتعكس عدم قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهتها بسبب وقوف جهات متنفذة سياسية ومسلحة وراء تجارتها ونقلها.

واستفحلت خلال السنوات الماضية آفة المخدرات على الرغم من الإجراءات الحكومية لمكافحتها من خلال عمليات ضبط المواد المخدرة واعتقال المتاجرين فيها والمتعاطين لها.

ويشكك مراقبون للشأن العراقي بإعلان السلطات الأمنية المتكرر بتحقيق النصر في معركة المخدرات والنجاح في مكافحتها، ويؤكدون أن الكميات الكبيرة المضبوطة والزيادة الكبيرة في أعداد التجار والمتعاطين يشير إلى تفشي المخدرات بشكل واسع في البلاد.

ويصادف الـ 26 من حزيران / يونيو من كل عام اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، والذي اعتمدته الأمم المتحدة مناسبة سنوية لتعزيز العمل والتعاون في تحقيق هدف عالم خال من تعاطي المخدرات.

وفي كل عام، يشارك أفراد ومجتمعات بأكملها ومختلف المنظمات في جميع أنحاء العالم في هذا الاحتفال العالمي لزيادة الوعي بالمشكلة الكبرى التي تمثلها المخدرات غير المشروعة للمجتمع.

وتؤكد وزارة الداخلية العراقية أنها تشن حملة مشددة لمحاربة المخدرات في البلاد، وذلك عبر تسخير جميع القدرات لضبط ومحاصرة كل العمليات المتعلقة بتجارة أو تعاطي المخدرات.

وأعلنت وزارة الداخلية العراقية في الـ 13 من حزيران الجاري صدور حكم قضائي بالإعدام بحق 72 متاجرا دوليا بالمخدرات، كما نشرت المديرية العامة لشؤون المخدرات عبر حسابها على فيسبوك، مقطعا مصورا يظهر تجار المخدرات المعتقلين وهم يرتدون "البدلة الحمراء".

وقبل ذلك، أعلنت وزارة الداخلية في 15 أيار / مايو الماضي، صدور قرابة 100 حكم بالإعدام والسجن المؤبد بحق مدانين بتجارة المخدرات محليين ودوليين خلال العامين 2023 - 2024.

 

المخدرات بالأرقام

كشفت المديرية العامة لشؤون المخدرات التابعة لوزارة الداخلية عن حصيلة المعتقلين بجريمة المخدرات والكميات المضبوطة من المواد المخدرة منذ مطلع العام 2024 ولغاية الأول من حزيران الجاري.

وقال المتحدث باسم المديرية حسين يوسف التميمي في تصريح تابعته شبكة "الساعة": إن "مديرية شؤون المخدرات ألقت القبض على ما يقارب 7000 متورط بجريمة المخدرات خلال المدة المذكورة".

وأضاف التميمي: أن "المديرية ولغاية أواخر شهر أيار الماضي، ضبطت نحو طنين من مختلف المواد المخدرة، وما يقارب 10 أطنان من المؤثرات العقلية".

وأشار المتحدث باسم مديرية شؤون المخدرات إلى قتل وإصابة ما يقارب 30 تاجر مخدرات أثناء الاشتباكات المسلحة معهم في مناطق متفرقة من البلاد.

 

نجاح واستراتيجية جديدة

من جهته أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا عن استراتيجية جديدة تعتمدها وزارة الداخلية في مكافحة المخدرات، مؤكدة أن هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحها على المستوى الكمي والنوعي في عمليات محاربة المواد المخدرة.

وقال المحنا في حديث لشبكة "الساعة": إن "آفة المخدرات انتشرت بشكل واسع في البلاد خلال السنوات الماضية للعديد من الأسباب"، مؤكداً أن "نسبة تجارة المخدرات وتعاطيها تراجعت في البلاد خلال العام الحالي بسبب الإجراءات الوقائية والعلاجية التي اتبعتها وزارة الداخلية منذ العام الماضي 2023".

وكشف المحنا عن "اعتماد الوزارة في الاستراتيجية الجديدة بمحاربة المخدرات على التقنية الحديثة والمعلومات وتتبع خيوط شبكات المتاجرة عبر الدول"، مبينا أن "العراق بدأ بتفعيل التعاون الدولي لأول مرة وذلك لملاحقة شبكات التهريب الدولية والقبض عليها".

وأضاف أن "العراق استضاف العام الماضي مؤتمرا دوليا لمكافحة المخدرات حضرته العديد من الدول، وكان لذلك المؤتمر انعكاسا إيجابيا واضحا على العمل في مكافحة المخدرات، حيث ظهر ذلك بوضوح من خلال الكميات التي ضبطت من المواد المخدرة خلال العام الحالي فقط والتي تزيد عن 10 أطنان، وكذلك زيادة عمليات اعتقال المطلوبين بتجارتها وتعاطيها وترويجها والذين يزيدون عن 6 آلاف متهم خلال العام الحالي فقط"، مشيرا إلى أن "وزارة الداخلية نجحت أيضا في عمليات نوعية لمكافحة المخدرات من خلال تفكيك شبكات دولية وإلقاء القبض على كبار التجار والتجار الدوليين بعد متابعتهم خلال مغادرة ودخول العراق".

وكشف المحنا عن "توقيع العراق العديد من مذكرات التفاهم مع دول الجوار والتي من شأنها تسهيل عمليات ملاحقة المجرمين بالمخدرات، كما كشف عن التحضير لإقامة مؤتمر دولي جديد في بغداد ينطلق شهر تموز المقبل لتعزيز التعاون الدولي في مكافحة آفة المخدرات".

ولفت إلى أن "نجاح الوزارة في جهودها يظهر أيضا من خلال قلة المواد المخدرة وارتفاع أثمانها وصعوبة الحصول عليها على عكس ما كان موجود في السابق"، منوها إلى أن "سعر الغرام الواحد من مادة الكريستال كان في السابق 3 دولارات أما آلان فأصبح يتراوح ما بين 40 – 45 دولارا للغرام الواحد".

 

أين وصل قانون مكافحة المخدرات؟

وما يزال التحرك لمحاربة المخدرات عبر التحرك المؤسساتي والتشريعي بطيئا في العراق، فمنذ عامين يدرس البرلمان إمكانية تمرير قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية لكنه لم يصوت عليه لغاية اليوم.

وكشف عضو لجنة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية زهير شهيد الفتلاوي عن آخر تطورات تشريع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، فيما لفت إلى أن لجنته وضعت 4 محاور لتعديل القانون.

وقال الفتلاوي في تصريح تابعته شبكة الساعة": إن "لجنته أنجزت تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية".

وأضاف أن "تعديل القانون تضمن 4 محاور في مقدمتها تشديد العقوبات على المروجين والمتاجرين بالمواد المخدرة وعلاج المتعاطين وزيادة عدد المصحات في عموم المحافظات فضلا عن وضع برامج تربوية وتعليمية من خلال المناهج الدراسية وكذلك تحويل المديرية إلى جهاز خاص لمكافحة المخدرات".

وأشار إلى أن "المادة 40 من قانون المخدرات تنص على أنه لا تقام أي دعوى جزائية على المتعاطي الذي يقدم طلبا بالعلاج".

وكشف الفتلاوي عن أن "عدد المتهمين بتجارة المخدرات والمتعاطين منذ عام 2020 ولغاية النصف من العام الحالي بلغ نحو 60 ألف ما بين تاجر ومتعاطٍ".

وأكد أن "تشريع القانون بات ضرورة ملحة لتشديد العقوبة على المتاجرين بالمخدرات وتطوير الإمكانات للكشف المبكر عنها"، مبينا أن "الهدف من تشريع القانون هو معالجة الثغرات ونقاط الضعف التي جاء فيها تشريع 2017 وما يتناسب مع حجم اتساع ظاهرة المخدرات".

 

مافيات وجهات متنفذة

ويشهد العراق انتشارا واسعا للمخدرات بسبب الأوضاع المأساوية التي تعاني منها البلاد، والمتمثلة بالفقر والبطالة، فضلا عن سيطرة فصائل مسلحة تتبع لجهات متنفذة في البلاد على أغلب المنافذ الحدودية؛ مما سبب استمرار تدفقها إلى الشباب العراقي.

في السنوات الأخيرة، تحول العراق من معبر وممر للمخدرات إلى مستهلك لها، فضلا عن محاولات لإنتاج المواد المخدرة وصناعتها، الأمر الذي دعا السلطات الأمنية إلى تنفيذ حملة واسعة لمكافحة المخدرات.

وفي وقت سابق، كشف وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري عن أن المخدرات تأتي إلى البلاد من إيران وسوريا وعبر شبكات مرتبطة ببعضها.

وتدخل أغلب المخدرات إلى العراق عبر الجانب الإيراني من محافظتي البصرة وميسان والسليمانية، كما تدخل من الجانب السوري عبر محافظة دهوك وقضاء سنجار بمحافظة نينوى والمناطق الحدودية بمحافظة الأنبار.

مصدر أمني مطلع قال في وقت سابق لشبكة "الساعة" إن "مافيات وشبكات دولية تعمل على تهريب المخدرات من وإلى العراق، وأن فصائل مسلحة تسيطر على تجارتها في المناطق السنية كالأنبار وصلاح الدين ونينوى".

 كما كشف وزير الداخلية السابق عثمان الغانمي عن تورط جهات سياسية متنفذة في الدولة بالوقوف وراء تجارة المخدرات في البلاد.

وقال الغانمي: إن "بعض الجهات السياسية وغيرها من الجهات المتنفذة تقف وراء تجارة المخدرات"، مؤكدا أن "هذا العمل الكبير والخطير لا يمكن لأي جهة صغيرة القيام به".

وأعلن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري في شباط الماضي انتصار العراق في حربه على المخدرات.

 

لا نصر حتى الآن

غير أن الأرقام التي تكشفها إحصائيات وزارة الداخلية تعكس من وجهة نظر بعض المراقبين عدم تحقيق أي نجاح أو انتصار في محاربة المخدرات رغم الجهود التي تبذل في ذلك، كما يرى الباحث في الشأن العراقي عمار الخزاعي.

وقال الخزاعي في حديث لشبكة "الساعة": إن "الواقع الذي يعيشه العراق من انتشار واسع للمخدرات وتصاعد عمليات القبض والضبط للمواد المخدرة تؤكد جميعها عدم صحة ما تتحدث عنه وزارة الداخلية".

وأضاف الخزاعي: أن "جهود وزارة الداخلية كبيرة وجيدة في مكافحة المخدرات، ولكن إعلان النصر والحديث عن النجاح في معركة المخدرات ما يزال بعيدا عن الدقة والواقع".

وعن أبرز الأسباب التي تدفع لانتشار آفة المخدرات أشار الخزاعي إلى أن "ضعف القانون ومؤسسات الدولة وعجز السلطات في مواجهة مافيات المخدرات التي تكون أحيانا مدعومة من جهات حزبية ومسلحة متنفذة، إضافة إلى الفقر والجهل والبطالة كلها عوامل ساعدت في تفشي المخدرات ولا سيما بين فئة الشباب".

وأشار الخزاعي إلى أن "كثيرا من الأحيان تفشل الدولة في اعتقال تجار المخدرات بسبب قوة السلاح ونفوذهم ولا سيما في المحافظات الجنوبية"، مبينا أن "أحد الأسباب المهمة في تفشي هذه الآفة هو تورط عناصر الأجهزة الأمنية في تعاطيها وتجارتها".

وشدد الباحث العراقي على "ضرورة تشديد القبضة الأمنية في ملاحقة تجار المخدرات وإنزال أشد العقوبات على المتورطين بتجارتها، إلى جانب تفعيل الاستثمار الذي من شأنه القضاء على البطالة وتوفير فرص العمل للعاطلين والإسراع في تشريع قانون مكافحة المخدرات الذي يلزم الحكومة بزيادة الوعي والتثقيف وتشديد العقوبات على المتاجرين، إلى جانب فتح مصحات طبية لعلاج وتأهيل المدمنين على المخدرات من جديد".

وشدد الخزاعي على أن "كل ما سبق من مقترحات لعلاج المشكلة يتطلب إرادة حقيقة من الدولة لتحقيق النصر الفعلي والحقيقي على المخدرات، وفي حال وجدت تلك الإرادة فعندها يستطيع العراق تحقيق أشواطا كبيرة في هذا المجال.

اخترنا لك