صورة الخبر

11:57:06 2024-12-11 : اخر تحديث

13:32:39 2024-06-23 : نشر في

غليان الصيف يكوي العراقيين.. متى تصدق الوعود الحكومية في معالجة مشكلة الكهرباء؟

حجم الخط

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

مع دخول فصل الصيف اللاهب في العراق وارتفاع درجات الحرارة إلى الخمسين درجة، يخيم اليأس من إصلاح مشكلة الكهرباء على العراقيين، ولا سيما أن جملة وعود أطلقتها السلطات لتحسين وضع الكهرباء لكن دون جدوى.

واستقبل العراقيون الصيف الحالي بدرجات حرارة وصلت إلى الـ 50 درجة ومن المتوقع وصولها إلى الـ 52 درجة مئوية بحسب تأكيدات هيئة الأنواء الجوية، فيما يتوقع استمرار هذا الارتفاع خلال شهري تموز وآب المقبلين.

ومع هذا الارتفاع في درجات الحرارة، يعاني العراقيون من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي، حيث تصل ساعات القطع اليومية نحو 10 ساعات أو أكثر في بعض الأحيان.

ولجأ الكثير من العراقيين ممن يسعفهم وضعهم المالي إلى السفر خارج البلاد هربا من حر الصيف ومشكلة الكهرباء، في حين لاذ بعضهم إلى الأماكن العامة ودور العبادة والمراقد الدينية بسبب توفر الكهرباء فيها، ولا سيما في العاصمة بغداد.

وتشتد أزمة الكهرباء صيفا مع زيادة الطلب على الطاقة، ولكن الأمور تخرج عن السيطرة أكثر عند توقف إمدادات الغاز الإيراني عن العراق وهو ما يسبب تراجع كميات إنتاج الكهرباء.

 

كم يحتاج العراق من الكهرباء؟

ويحتاج العراق إلى 40 ألف ميغاوات كحد أدنى لسد احتياجاته اليومية من الكهرباء، بينما توفر وزارة الكهرباء العراقية 24 ألف ميغاوات في أفضل الأحوال وذلك في حال توفر الغاز الإيراني دون انقطاع وعمل محطات الإنتاج وتوفر الوقود في الداخل.

شكل ملف الطاقة في العراق كثيراً من التحديات ولا سيما للحكومات المتعاقبة بعد 2003، إذ لجأت بلاد الرافدين أخيراً إلى مقايضة النفط بالغاز الإيراني لإنهاء أزمة الكهرباء التي تعصف بها كل صيف.

وتزود الدولة المواطنين بالكهرباء لساعات معينة مقابل ساعات انقطاع أخرى، وهو ما يعرف بـ "القطع المبرج" وأدى ذلك إلى اعتماد العراقيين على مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية، مع تكبدهم أجورا إضافية لتوفير كميات محدودة من الكهرباء.

ومع الإمكانات التي يملكها العراق إلا أن متخصصين في الشأن الاقتصادي يستبعدون إمكانية تحقيق البلاد الاستقرار الذاتي للطاقة، وسط تنامي الفساد وضعف الوعي الوطني مع بيروقراطية كاملة وواردات نفطية محدودة أدت إلى تلكؤ مشاريع الطاقة.

 

تشكيك وتلويح بالتصعيد

وتنذر أزمة الكهرباء الحالية بتصعيد شعبي لا يقل سخونة عن أجواء الصيف الحارقة، حيث بدأت التظاهرات في العديد من محافظات جنوبي البلاد احتجاجا على ساعات القطع اليومية، فيما يتوقع ناشطون اتساع رقعة التظاهرات الاحتجاجية حال استمرار الأزمة خلال هذا الصيف.

ويشكك مواطنون بالوعود التي تطلقها الحكومات المتعاقبة بشأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، فيما يسخر آخرون من الوعود الحكومية بتصدير الكهرباء التي صدرت خلال حكومة المالكي، إذ أكد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حينها حسين الشهرستاني عام 2012 بأن العراق سيكتفي ذاتيا من الكهرباء وسيصدر الفائض إلى دول الجوار بحلول نهاية العام 2013.

وتكررت الوعود بتحسين الكهرباء خلال حكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي وحتى الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، غير أن العراقيين لم يلحظوا أي تحسن في هذا المجال.

كما يشكك برلمانيون ومختصون في مجال الطاقة بقدرة العراق على تجاوز مشكلة الكهرباء في الوقت القريب، حيث إن الخطوات الحكومية البطيئة لزيادة الإنتاج يقابلها زيادة في الكثافة السكانية وزيادة الطلب على الكهرباء الأمر الذي ولد فجوة كبيرة بين الطاقة المنتجة والكميات المطلوبة من الكهرباء.

 

لا حلول قريبة

عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية كاظم الطوكي استبعد استقرار العراق من الطاقة في الأقل خلال الفترة الحالية.

وعزا النائب كاظم الطوكي ذلك إلى "استمرار اعتماد العراق على الغاز الإيراني من جهة، وعدم استغلال حقول الغاز العراقية بشكل جيد من جهة أخرى".

وأكد أنه من السابق لأوانه القول إن "العراق في استطاعته تحقيق الاستقرار الذاتي بمجال الطاقة"، مبيناً "اليوم الخطط والبرامج والأموال المخصصة للموازنة ذهبت في التقليل من حجم الأضرار من الجانب العراقي وخصوصاً في قضية استيراد الغاز والمشكلات".

 

الفساد سبب الأزمة

إلى ذلك عزا النائب محمد الزيادي مشكلة الكهرباء إلى شبكات الفساد المتغلغلة في وزارة الكهرباء.

وقال الزيادي إن "السبب الرئيس في سوء ملف الكهرباء يكمن في ضعف الإدارة والتخطيط التي تتبعها وزارة الكهرباء"، مؤكدا أن "الوزارة تتحمل المسؤولية كاملة عن هذه الأزمة".

وأضاف أنه "رغم الموازنات الانفجارية في كل سنة لوزارة الكهرباء إلا أن هذه المشكلة لم تحل بسبب غياب الكوادر الفنية المتخصصة التي تضع معالجات وحلول لهذه الأزمة وخصوصا في فصل الصيف"، موضحا أن "أزمة الكهرباء في العراق هي مشكلة إدارية".

وبين أن "شبكات الفساد المتغلغلة في وزارة الكهرباء هي أحد أكبر الأسباب التي تعيق ملف التطور وحل مشكلة الطاقة".

 

موازنات انفجارية للكهرباء دون جدوى!

كما استبعد الخبير في الطاقة والاقتصاد نبيل المرسومي إمكانية تجاوز مشكلة الكهرباء في العراق خلال السنوات القليلة المقبلة.

وقال المرسومي إن "العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاوات من الكهرباء لسد احتياجاته، ولكن الطاقة الكهربائية التي تنتج اليوم لا تزيد عن 24 ألف ميغاوات في أفضل الأوضاع".

وأضاف أن "موازنات هائلة خصصت لوزارة الكهرباء لكن دون جدوى"، مبينا أن "موازنة الكهرباء ضمن موازنة العام الحالي تقترب من 19 تريليون دينار عراقي أي ما يعادل 14 مليار دولار، وهي موازنة تفوق موازنة دولتين كالبحرين وسوريا".

وأوضح المرسومي: أن "السبب الرئيس في مشكلة الكهرباء العراقية يرجع إلى الفساد الحكومي وغياب التخطيط الصحيح وعدم الجدية في استغلال مصادر الطاقة التي يعتمد عليها في توليد الكهرباء وفي مقدمتها الغاز"، مشددا على أن "معالجة الأزمة مرهون بتواجد الحكم الرشيد القادر على التخطيط الصحيح لإدارة مشكلة الكهرباء وإنتاج الطاقة عبر الاستغلال الأمثل للغاز المحلي".

وفي عام 2021، قال رئيس الوزراء الأسبق، مصطفى الكاظمي إن "العراق أنفق نحو 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر، وهو إنفاق غير معقول دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها".

 

مقترحات لحل الأزمة

ويرى مستشار رئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح أن الحل الاستراتيجي لمشكلة توفير كهرباء مستدامة في العراق في اتجاهات أربعة.

وقال صالح إن "الاتجاه الأول يكمن في أهمية تطوير مصادر الوقود والغاز الوطنية تحديداً مع الاتجاه العالمي نحو استخدام الوقود العالي التأثير وأهميته الاقتصادية في إحلال نظام تكنولوجيا الدورات المركبة في إنتاج الطاقة الكهربائية، باعتماد الوقود الغازي الأقل كلفة وتلوثاً للبيئة لبلوغ فرضية تصفير الكربون في العقد المقبل، وهو ما يقتضي الاستغلال الأمثل لمصادر الغاز الطبيعي والمصاحب في بلادنا والذي ما زال الأخير نصفه يحرق هدراً في حقول النفط".

وأضاف أن "الاتجاه الثاني عبر نشر وحدات الطاقة الشمسية بشكل مدعوم للمستهلك الفرد ومنتجي تلك الوحدات والأجهزة الكهربائية المرتبطة بها مباشرة من خلال سياسات دعم الصناعة الوطنية حكومياً، وعلى نحو يعوض جانباً من النقص في مصادر التجهيز المركزي، والثالث العمل على توفير أنظمة التوليد المناطقية (المنفصلة والمستقلة) وخارج الربط المركزي للشبكة الوطنية، والتعاطي مع الشبكة الوطنية بنظام ربط خارج وداخل ساعات الذروة من طريق التوليد المحلي، وأخيراً الربط الشبكي مع دول الجوار".

وشدد صالح على "ضرورة إعادة التنظيم الإداري لشركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء في العراق، وبشكل يخضعها للرقابة والتطوير المركزية ويمنح إدارة لا مركزية في تنفيذ عمليات الاستثمار والتشغيل لأنظمة إنتاج ونقل الكهرباء وتوزيعه، وبما يحقق كفاءة التحصيل والنقل والإنتاج في آن واحد والنزول بالهدر (التكنولوجي والتجاري) في الطاقة الكهربائية من قرابة 60% من إجمالي الإنتاج إلى 6%".

اخترنا لك