صورة الخبر

01:50:11 2024-12-11 : اخر تحديث

13:54:15 2024-06-10 : نشر في

الحكم العسكري يهدد الديمقراطية العراقية.. هل أخمد السوداني حريق المثنى قبل الاشتعال؟

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

ترقب وحذر في محافظة المثنى الواقعة جنوبي العراق، على خلفية الدعوات التي أطلقها حميد الياسري آمر لواء أنصار المرجعية (أحد فصائل حشد العتبات)، لتظاهرات واسعة في المحافظة تحت شعار محاربة الفاسدين.

وأثارت دعوة الياسري الجدل في المثنى، فجهات أيدت التظاهر وإنهاء تحكم القوى السياسية في المحافظة بينما عدتها جهات أخرى محاولة انقلابية على القانون والعملية السياسية، وخطوة لاختطاف المحافظة نحو المجهول.

وعلى أثر تلك الدعوات شرع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بإجراءات من شأنها احتواء الأزمة، من خلال لقائه مع وفد من أهالي محافظة المثنى، وآمر لواء أنصار المرجعية لاحتواء أزمة المحافظة

وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان ورد لشبكة "الساعة" إن "السوداني التقى وفداً من أهالي المثنى، بضمنهم آمر لواء أنصار المرجعية حميد الياسري".

وأكد رئيس الوزراء بحسب البيان أن "دعم العملية السياسية والاستقرار والأمن مسؤولية الجميع، سواء كانوا قوى سياسية من خلال أدائها أو مواطنين بمشاركتهم المستمرة فيها، وتسجيل الملاحظات عليها"، مشيراً إلى أن "التداول السلمي للسلطة هو العامل الأساس في البناء السياسي، وأن حق التظاهر السلمي مكفول للجميع".

وشدد السوداني على أن "انتقاد ظاهرة الفساد ومواجهتها يجب أن تكون ضمن السياقات الدستورية والقانونية، وأن إعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية هو أهم تحدياتنا، لأن شرعية أي نظام سياسي تكون من خلال علاقته بشعبه"، مؤكداً "اطلاعه على الواقع الخدمي للمثنى بجميع تفاصيلها؛ كونها من المحافظات الأشد فقراً، وأن الجزء الأكبر من مشاريع المحافظة تُشرف عليه الحكومة لأنها ضمن مشاريع الوزارات".

وأوضح السوداني أن "مجالس المحافظات جاءت عن طريق انتخابات خاضها أبناء المحافظة، وأن على الجميع احترام خيارات المواطنين"، لافتا إلى "أهمية عدم السكوت والمجاملة عن أي فساد في المال العام، ولكن من خلال السياقات القانونية، وأن أبواب الحكومة مفتوحة للمواطنين ولن تتخلى عن دورها في متابعة أداء المحافظين".

ووجه السوداني بـ"تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، تقوم بزيارة المحافظة لمتابعة البلاغات المتعلقة بشبهات الفساد وهدر المال العام، وتدقيقها وإحالتها إلى التدقيق، وفي حال ثبوت الخلل يتم إجراء التحقيق وتحديد المقصرين وإحالتهم إلى القضاء".

ووجه بـ"إرسال لجنة فنية برئاسة رئيس فريق الجهد الهندسي وفريق المتابعة لزيارة المحافظة وتشخيص مواطن الخلل في تنفيذ المشاريع الخدمية، كذلك وجه وزارة التربية لمتابعة المدارس المكتملة، التي لم تُستلم بسبب إشكالات إدارية وقانونية".

 

الياسري يعود للتهدئة

وكشف الياسري عن مخرجات اللقاء الذي جمعه مع رئيس الوزراء، وبحسب بيان صدر عن الياسري وطالعته شبكة "الساعة" فإن المقررات كما يلي:

أولاً: تشكيل لجنة من مكتب رئيس الوزراء للإشراف على كل مشاريع السماوة وعدم السماح للمحافظ وأعضاء مجلس المحافظة بالتصرف بالأموال.

ثانياً: ممثلو مظاهرات المحافظة سوف يشرفون على كل مشاريع المحافظة كجهة ساندة ومراقبة للدولة وبأمر يصدر من رئيس الوزراء.

ثالثاً: تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بكشف ملفات الفساد وهدر المال العام في السماوة منذ 2003 وإلى يومنا هذا، ودعوة كل المواطنين لتقديم ملفات الفساد لهذه اللجنة عن طريق ممثلي المظاهرات في مناطقهم، وتجتمع اللجنة بشكل مستمر مع ممثلي الجماهير لكشف الفساد.

رابعاً: تقديم طلب إلى مجموعة من مجلس النواب يتقدمهم ممثل المثنى سعد عواد التوبي، بسحب الثقة من المحافظ ومجلس المحافظة بسبب مخالفات ارتكبوها مع شركات مقاولين.

خامساً: تم استحصال مبلغ 37 مليارا من رئيس الوزراء يسلم إلى لجنة من مهندسين من مكتب رئيس الوزراء لإقامة مشاريع خدمية تقدمها لجنة المظاهرات الشعبية، ولا يسمح للمحافظ ومجلس محافظة بالتدخل فيها.

سادساً: غلق كل المكاتب الاقتصادية وأخبار جهاز الأمن الوطني والاستخبارات عن وجود أي مكتب في السماوة

وخاطب الياسري جماهير المثنى بالقول" ننتظر قراركم هل نؤجل المظاهرات وإعطاء فرصة لما بعد العيد، أو أننا نستمر في سحق رؤوس الاحزاب العفنة ومن يقف خلفها من حيتان الفساد".

 

فرض الحكم العسكري

الأسبوع الماضي أعلن آمر لواء أنصار المرجعية حميد الياسري عن مهلةٍ تنتهي الأربعاء لطردِ الفاسدين من محافظة المثنى ومجلسِها.

الياسري دعا في بيان تلقته شبكة "الساعة" إلى "الاعتصام أمام مبنى المحافظة ومجلسها وبناء الخيم والسرادق وبكل هدوء وإعلان أن المحافظ ومجلس المحافظة لا يمثلون الجماهير ويعملون لأحزابِهم فقط"، مؤكدا أن "تحركه سيكون ضمن الدستور والقانون وتحت حماية القوات الأمنية".

وطالب مجلس النواب ورئيس الوزراء بـ"إرسال حاكم عسكري نزيه يدير أمور محافظة المثنى لحين البت في مصيرِها، كما دعا إلى تشكيل لجنة خاصة من رئيس الوزراء للإشراف على أموال موازنة السماوة ومتابعة مشاريعها وتخليص الشركات العاملة من العمولة التي تفرضها الأحزاب على الشركات".

كما دعا للإشراف على "أموال موازنة السماوة ومتابعة مشاريعها وتخليص الشركات العاملة من العمولة التي تفرضها الأحزاب على الشركات والتي وصلت إلى 13%"، مشددا على "ضرورة إنهاء وجود المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب السياسية في المثنى".

وشدد الياسري على "الاعتصام أمام كل مكاتب الأحزاب التي تسببت بهدر أموال ِ الحافظة المثنى منذ عام 2003 إلى هذا اليوم وبدون استثناء، موجها دعوته لشيوخ العشائر بتحمل مسؤولياتهم والوقوف مع أبنائهم في الدفاع عن حقوق هذه المحافظة الفقيرة"، حسب تعبيره.

 

ما الغرض من التصعيد؟

لكن مصادر صحفية قالت إن الغرض وراء الدعوة للتظاهر والإطاحة بالحكومة المحلية في المثنى وتنصيب قائد عسكري عليها هو غرض سياسي وشخصي بسبب إبعاد أحد المقربين من الياسري.

وقالت هذه المصادر: إن "الياسري يريد التظاهر بسبب إقالة إحدى أذرعه الاقتصادية بالسماوة وهو عادل الياسري رئيس هيئة استثمار المثنى والمتهم بملفات فساد خطيرة".

تأتي هذه التطورات بعد نحو 6 أشهر من تشكيل حكومتها المحلية بعد إعلان نتائج الانتخابات التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذهب منصب المحافظ، وهو رئيس أعلى سلطة تنفيذ بالمحافظة إلى ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي.

وتمتد محافظة المثنى قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية على مساحة كبيرة، لكنها الأقل من حيث عدد السكان (نحو 800 ألف نسمة)، وهي الأكثر فقراً من بين محافظات البلاد، إذ ترتفع نسبة الفقر فيها إلى نحو 50% من عدد سكانها"، طبقاً لإحصاءات رسمية.

 

سابقة خطيرة

ورجح الباحث السياسي مصطفى العبيدي أن يكون لقاء السوداني بالياسري بداية لتهدئة الأوضاع في المثنى ونزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها.

وقال العبيدي في حديث لشبكة "الساعة": إن "تأجيل التظاهرات والمطالبة بالحكم العسكري من قبل الياسري وتخييره للجماهير بشأن التظاهر الآن أو تأجيل الاحتجاجات لما بعد العيد يعني تهدئة الأمور في المثنى، وعدم النية على التصعيد الحقيقي على الأرض".

وأضاف: أن "اللافت في ملف دعوة الياسري للحكم العسكري في المثنى تمثل سابقة خطيرة تهدد النظام الديمقراطي رغم مئات الملاحظات على شكل هذا النظام وهذه الديمقراطية"، وبين أن "ذلك قد يفتح الباب أمام أي جهة تمتلك السلاح للتصعيد والتهديد بفرض الحكم العسكري في البلاد والإطاحة بنتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية".

 

اختطاف المثنى

وردا على حراك الياسري الأخير حذر محافظ المثنى مهند العتابي مما وصفها محاولات اختطاف المحافظة، واصفا الدعوة لتسليم أمور المحافظة لحاكم عسكري بالتطور الخطير.

وقال العتابي في بيان ورد لشبكة "الساعة": إنه "من المؤسف الاطلاع في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) من المطالبة والدفع نحو تظاهرات لأسباب توجب الاستقضاء، وتجعل أصحابها أمام واجب الإدلاء بمعلوماتهم للقضاء العراقي ومؤسساتنا الرقابية كهيئة النزاهة".

وأضاف العتابي: أن "ما جاء في دعوات التظاهر خطير وفيه معلومات يجب أن تعطى للأجهزة الأمنية كي تتخذ دورها، منتقدا جعل تلك المعلومات مادة للرأي العام وهو ما يجعل الفاسدون أمام فرصة الهروب أو الاستعداد لدفع التهم".

وتابع محافظ المثنى: أن "الدعوة لوضع المحافظة تحت الحكم العسكري فيه من الخطورة ما فيه ويجعل أصحابها أمام مسؤولية الإفصاح والكشف عما لديهم من أسباب تدفعهم لهكذا دعوى".

وزاد العتابي: أن "من يطالب بتسليم المثنى للحكم العسكري هو عنوان مهم لدينا ظننا به الشجاعة بالإفصاح عن الأسماء دون التلميح بهم وكشف تلك الملفات ونحن نتكفّل بإنفاذ الشكوى وإيصال المعلومات للجهات التي لن تتأخر عن المحاسبة حتى نضرب بيد من حديد دون أي تأخير"، مؤكدا أن "إدارة محافظة المثنى حريصة على استقبال أي ملف من ملفات الفساد ومتابعته مع الجهات المعنية".

ودعا المحافظ أبناء المثنى إلى "تفويت أي فرصة لخطف المحافظة"، مشددا على أن "من يدعي الحرص على المحافظة أن يبادر للقضاء العراقي ومؤسسات الدولة الرقابية وأن لا يتأخر دقيقة واحدة عن كشف ما لديه من ملفات".

 

انقلاب على القانون والدستور

أما رئيس مجلس محافظة المثنى أحمد محسن دريول فوصف الدعوة بإبعاد الحكومة المحلية ومجلس المحافظة وتنصيب الحاكم العسكري في المحافظة بأنها انقلاب على القانون والدستور.

وقال دريول في تصريحات صحفية: إن "مجلس المحافظة ليس لديه علم مسبق حول إعلان التظاهر وتنصيب حاكم عسكري بالمدينة".

وأضاف أنه "يستنكر الخطابات التي تدعو للتظاهر والانقلاب على الحكومة المحلية وتنصيب حاكم عسكري بالمحافظة"، مبينا أن "المحافظة تعاني واقعا خدميا سيئا ونستمع لجميع المطالب والحكومة المحلية مفتوحة أبوابها، ولكننا في ذات الوقت نرفض الدعوات إلى الانقلابات وتنصيب حاكم عسكري في المحافظة رغم معاناة المحافظة".

وشدد رئيس مجلس المحافظة على أن "الخروج على القانون والدستور أمر مرفوض جملة وتفصيلا، لا سيما مع وجود إشكال حول النص المنشور الذي يدعو للانقلابات وتنصيب حاكم عسكري في المثنى".

 واستدرك دريول: أنه " في حال طرق الياسري أبواب الحكومة المحلية ولم يجد آذانا صاغية فمن حقه المطالبة بالحقوق"، مؤكدا أن " ما قام به من دون سابق إنذار بإعلانه الانقلاب على الحكومة المحلية أمر مرفوض، لافتا إلى أن العراق تخلص من العسكرة وهيمنتها ولن يسمح بعودتها مجددا"، حسب تعبيره.

 

آراء مختلفة

واختلفت الآراء داخل الشارع في المثنى تجاه دعوات الياسري للتظاهر وإنهاء عمل الحكومة المحلية بين مؤيد ومعارض، فالبعض يراها دعوات مهمة لاستحضار الموقف الشعبي لمكافحة الفساد والضغط بشأن تقديم الخدمات التي تفتقر لها المحافظة، فيما يراها آخرين محاولة لتعكير صفو الأمن والاستقرار في المحافظة وبداية لتصعيد قد لا تحمد عقباه خلال المرحلة المقبلة.

 

ما قانونية دعوات الياسري؟

وأكد الناشط الحقوقي من محافظة المثنى حيدر العوادي تحفظه على دعوة الياسري لفرض حاكم عسكري في المحافظة وقال إنها تفتقر للغطاء القانوني.

وقال العوادي في حديث لشبكة "الساعة": إن "الدعوة التي وجهها الياسري بشأن التظاهر من أجل تحسين الخدمات فهي دعوة مقبولة وشعبية وتتناسب مع ما تمر به المثنى من سوء خدمات وفساد مالي وإداري".

وأضاف العوادي أن "الدعوة لإبعاد الحكومة المحلية في المثنى التي جاءت عبر الانتخابات، وتسمية حاكم عسكري على المحافظة عليها تحفظات كثيرة، وذلك لأنها تفتقر للغطاء القانوني والدستوري".

وأكد أنه "كان ينبغي أن تكون الدعوة المقدمة تنحصر بالتظاهر وتشخيص حالات الفساد والمشاكل الخدمية والعمل على تجاوزها وحلها عبر السلطات المختصة".

 

شرارة التظاهرات تهدد المحافظات الجنوبية

إلى ذلك توقع الباحث في الشأن السياسي عدنان التميمي بأن الحراك في محافظة المثنى لإطلاق تظاهرات خلال الأسبوع الجاري قد تكون بداية شرارة تعصف بجنوب العراق.

وأوضح التميمي أن "المثنى مثل بقية محافظات الجنوب التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر الحاد والبطالة العالية يرافقها وضع خدمي بائس في ظل صراعات سياسية ارتفعت وتيرتها مع تشكيل الحكومات المحلية".

وأضاف أن "المثنى رغم ما تمتلك من مؤهلات اقتصادية وزراعية لكنها تعاني خدميا في ظل وجود عشرات القضايا المرفوعة أمام النزاهة عن شبهات فساد مالي تورطت بها الحكومات المحلية المتعاقبة".

وأشار إلى أن "حراك المثنى إذا ما بقي في زخمه الحالي سيكون بداية لشرارة تعصف بجنوب العراق لثلاث أسباب الأول الامتعاض الشعبي من وعود القوى السياسية في التغيير والثاني المحاصصة التي تتسابق لها القوى التي انفردت بالقرار بعد الانتخابات الأخيرة والثالثة تراكمات الأخطاء في التعامل مع ملفات حيوية في محافظات تعاني من زخم غير مسبوق في المشاكل بكل الاتجاهات".

اخترنا لك