صورة الخبر

16:09:32 2024-12-11 : اخر تحديث

10:12:55 2024-03-28 : نشر في

السجون العراقية.. وفيات جديدة وتشكيك بجدية السلطات في وقف الانتهاكات

حجم الخط

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

بقيت السجون العراقية لسنوات طويلة مسرحا لانتهاكات حقوق الإنسان وانتزاع الاعترافات بالقوة والإكراه، وما تزال تداعيات تلك الانتهاكات قائمة نتيجة ما ترتب عليها من أحكام قضائية من بينها الإعدام والسجن المؤبد أو أحكام بالسجن تزيد عن 10 سنوات.

وعلى الرغم من إعلان السلطات العراقية رسميا إنهاء ملف التعذيب في السجون ومحاسبة المتورطين فيه، وضمان حقوق الإنسان داخل مراكز التحقيق، غير أن الوقائع على الأرض تؤكد العكس.

مؤخرا، تحدث وزير الداخلية عبد الأمير الشمري عن إنهاء التعذيب خلال التحقيقات بمراكز الاحتجاز، لكنه أشار إلى وجود بعض الحالات التي لا ترتقي لأن تكون ظاهرة.

وردا على ذلك، نفى رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقية أرشد الصالحي إنهاء ملف التعذيب والانتهاكات داخل السجون العراقية، وأقر بوجود عمليات تعذيب في السجون العراقية تمارس بحق المعتقلين من أجل انتزاع اعترافات غير حقيقية.

وقال الصالحي: إن "هناك الكثير من عمليات التعذيب تحصل على بعض المعتقلين لدى الجهات الأمنية، وهناك شكاوى كثيرة تصل إلى لجنة حقوق الإنسان بهذا الخصوص"، مبينا أن "اللجنة تحاول التحرك لوقف تلك العمليات ومحاسبة أي شخص وجهة متورطة".

وأضاف: أنه "لا يمكن انتزاع أي اعتراف بالتعذيب، وهذا يخالف كل القوانين ومبادئ حقوق الإنسان"، مؤكدا "تسجيل حالة وفاة لأحد المعتقلين قبل أيام في أحد السجون جراء التعذيب".

ودعا رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية إلى "الإبلاغ على أي عملية تعذيب، حتى يتم محاسبة المتورطين".

وبشأن وسائل التعذيب التي تمارس داخل السجون العراقية، قال الصالحي إن "الوسائل كثيرة وهي مرفوضة ولا يمكن القبول بها، وهناك متابعة لنا مع المسؤولين لإيقافها وستكون لنا زيارات دورية لكل السجون لكشف هكذا حالات والتحقيق فيها".

 

وفيات جديدة

أكدت مصادر مختلفة تسجيل 5 حالات وفاة لمعتقلين داخل سجون عراقية، إما جراء التعذيب أو بسبب انعدام الرعاية الصحية وسوء الأوضاع في السجون.

ناشطون حقوقيون كشفوا عن تسجيل 3 حالات وفاة خلال الأسابيع الأربعة الماضية جراء سوء المعاملة والتعذيب، إحداها لمعتقل من محافظة ميسان عن تهمة تجارة مخدرات، والآخر من الأنبار، والثالث من بغداد.

وبحسب مصدر أمني فإن "نزيلاً من أهالي قضاء الجبايش في ذي قار محكوم بالسجن 40 عاماً توفي داخل سجن الناصرية، وبين أن سبب الوفاة يعود لإصابته بمرض تكسر الدم، حيث لم يفلح نقله إلى مستشفى الحسين التعليمي لغرض إنقاذه".

وفي بابل، أعلن مصدر في سجن الحلة الكبير عن وفاة معتقل محكوم 14 سنة وفق المادة الرابعة إرهاب، وقال المصدر إن "المعتقل من سكان البصرة وأصيب بمرض مفاجئ وتوفي أثناء نقله للمركز الطبي التابع للسجن".

ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقارب المئة ألف سجين، يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، فضلا عن سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.

وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير، وغياب للدور الرقابي من الجهات الحكومية والجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجرى الحديث فيه عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.

ويتعرض المعتقلون في السجون الحكومية لمختلف عمليات التعذيب بهدف انتزاع الاعترافات بالإكراه، إضافة الى الإهمال الطبي المتعمد الذي أدى إلى تفشي الأمراض وتسبب في وفاة عدد كبير منهم.

وفتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ملف انتزاع الاعترافات قسرا خلال التحقيقات القضائية، والتي زج بسببها آلاف العراقيين داخل السجون خلال السنوات السابقة، فيما خصص بريداً إلكترونياً لاستقبال شكاوى من تعرّضوا للتعذيب، وعلى الرغم من تلقي الحكومة العراقية 5 آلاف شكوى عن حالات تعذيب وانتهاكات داخل السجون، إلا أن أي إجراءات لم تتخذ لمعالجة هذه المشكلة ووقفها.

وتتصدر الانتهاكات في السجون العراقية ملفات انتهاكات حقوق الإنسان في العراق في السنوات الأخيرة بسبب فضاعة ما يجري فيها من تعذيب وانتزاع للاعترافات، فضلا عن الاعتقال خارج القانون من خلال الاعتماد على وشاية المخبر السري والبلاغ الكاذب.

وتركزت الاعتقالات التي خفت وتيرتها في الوقت الحالي في محافظة نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى، فضلا عن محافظة كركوك المختلطة قوميا، والعاصمة بغداد المختلطة طائفيا.

 

تلويح "بهتك العرض"

ووثقت محامية عراقية شهادات لمعتقلين في سجن الحوت تؤكد تعرضهم للتعذيب الشديد والانتهاكات الخطيرة من أجل انتزاع الاعترافات منهم بالقوة.

وقالت المحامية قمر السامرائي إنها "وثقت العديد من حالات القمع والتعذيب والضرب المبرح والتهديد بالاغتصاب والتلويح بهتك أعراض المعتقلين إذا لم يعترفوا بارتكاب جرائم لم يرتكبوها".

 

استبعاد لوقف الانتهاكات

المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب استبعد إنهاء ملف المعتقلين في السجون قريبا، عكس ما تتحدث السلطات.

وقال مدير المركز عمر الفرحان في تصريح لشبكة "الساعة": إن "عدد المعتقلين في السجون الحكومية التابعة لوزارة العدل يتراوح ما بين 60 ألف – 75 ألف معتقل أغلبهم محكومون بتهم الإرهاب، والباقي محكوم بتهم المخدرات والقتل والجرائم الجنائية الأخرى".

ولفت إلى "وجود أعداد أخرى من المعتقلين لدى القوات الأمنية لم يتم إصدار الحكم القضائي عليهم وهم منذ فترات طويلة في السجون خلافا للقانون الذي يوجب إصدار الحكم عليهم خلال فترة محدودة، بعد عرضه على القاضي خلال 24 ساعة من توقيفه".

وتابع: أن "المشكلة الرئيسية في ملف السجون الحكومية تكمن في ملف المعتقلين بقضايا الإرهاب، لأن اعتقالهم جرى بدوافع طائفية ودون وجود أدلة قانونية على تورط المعتقلين بارتكاب جرائم الإرهاب، فضلا عن أن أغلب المعتقلين بهذه القضايا صدرت أحكام قضائية عليهم استنادا على الاعترافات التي انتزعت منهم بالقوة والإكراه".

وأكد أن "السمة في السجون العراقية هي الاكتظاظ وانحدار المستوى الصحي والخدمي ومخالفة القوانين العراقية والدولية في مجال التعامل مع نزلاء السجون"، وأشار إلى أن "أبواب السجون موصدة دائما بوجه المنظمات العراقية والدولية وذلك لضمان عدم الكشف عن فضائح التعذيب التي تجري داخلها".

 

تجاهل الدعوات المحلية والدولية

من جهته اتهم مرصد "أفاد" المعني بملف حقوق الإنسان في العراق السلطات الحكومية والقضاء العراقي بتجاهل الدعوات المحلية والدولية الخاصة بوقف انتهاكات حقوق الإنسان في السجون.

وقال المتحدث باسم المرصد حسين دلي في حديث لشبكة "الساعة": إن "السجون العراقية ما تزال تشكل إحدى محاضن الاحتقان الطائفي والممارسات الانتقامية والإهمال الصحي وابتزاز أولياء أمور السجناء".

وأضاف: أن "الحكومة العراقية ومجلس القضاء يواصلون وللأسف تجاهل كل الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية بشأن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون العراقية".

وأكد دلي أن "الجرائم التي ترتكب في السجون تكرس السمعة السيئة المعروفة عن إدارات السجون العراقية من ضعف الرعاية الصحية وتجويع السجناء وابتزازهم"، مبينا أن "تلك الانتهاكات تتزامن مع معلومات عن مصادقة رئيس الجمهورية على حملة إعدامات جديدة لنحو 150 سجيناً عراقياً قبل شهر تقريباً بما يعكس تنصلاً واضحاً عن التزامات العراق بالملف الحقوقي دولياً وخصوصاً قضية انتزاع الاعترافات تحت التعذيب"، مبينا أن "الجريمة جاءت أيضا في ظل مناقشة قانون العفو العام الذي تم تأجيل التصويت عليه مرات عدة من الأحزاب السياسية بأعذار واهية.

 

عرقلة تمرير العفو العام

وعلى الرغم من مطالبة القوى السياسية السنية بتمرير قانون العفو العام وشمول المعتقلين الأبرياء به، غير أن الاتهامات تتوجه نحو الإطار التنسيقي الحاكم بعرقلة تمريره.

وتتحفظ بعض الجهات داخل الإطار التنسيقي على بنود قانون العفو، فيما ترفضه أطراف أخرى، لأنها تعده يشمل المتورطين بقضايا الإرهاب، وهو ما تنفيه القوى السنية التي تطالب بإقرار القانون.

 وينص تعديل قانون العفو العام على "إجراء مراجعة قانونية للقانون، بهدف تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية، لتشمل كل من ثبت أنه عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية".

قدمت الحكومة العراقية مؤخرا التعديل الخاص بقانون العفو العام إلى مجلس النواب، وقدمت مسودة التعديل من اللجنة القانونية إلى رئاسة البرلمان بانتظار إدراجه في الجلسات المقبلة وقراءته والتصويت عليه، لكن الأحداث التي شهدها البرلمان المتمثلة بإنهاء عضوية رئيسه السابق محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية سيدفع نحو تأجيل تشريع قانون العفو العام أو ربما عدم تمريره أصلا، وهو ما صرح به عدد من النواب.

 

اخترنا لك