صورة الخبر

2024-03-18 10:46:40

طريق التنمية.. ضرورة تنموية أم أولوية مؤقتة للعراق؟

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

وضع العراق وتركيا مشروع طريق التنمية ضمن أولويات المرحلة المقبلة، ويظهر ذلك من خلال الإعلان الرسمي والتصاريح الصادرة عن الجانبين، إلى جانب تحركهما ميدانيا نحو تنفيذ المشروع، الذي يعد الطريق الرابط بين الشرق والغرب عبر العراق.

ويهدف "طريق التنمية" إلى الربط بين الخليج العربي وأوروبا عبر العراق، ويتوقع أن يؤدي دوراً إيجابياً في تعزيز التجارة والتواصل الاقتصادي في المنطقة.

سمي المشروع في البداية باسم "القناة الجافة" وتم تغيير اسمه إلى "طريق التنمية" خلال لقاء بين الرئيس العراقي ونظيره التركي في آذار / مارس 2023. 

 

تاريخ المشروع

هناك من يرى أن مشروع طريق التنمية ليس بالمشروع الجديد، وتعود فكرته إلى بدايات القرن العشرين، وتتمثل الفكرة القديمة بإنشاء خط سكة حديدية "البصرة–بغداد–برلين". ولكنّ هذا المشروع توقّف بسبب قيام الحرب العالمية الأولى، ثم طُرحت فكرة إقامة هكذا مشروع أو مشروع مماثل من جديد عندما تبنّت الحكومات العراقية المتعاقبة الحديث عنه خلال السنوات الأخيرة وبمسمى "القناة الجافة"، وتباين مستوى الاهتمام بالفكرة والمشروع من حكومة إلى أخرى، بَيْدَ أنه زاد الاهتمام بها في السنوات الأخيرة، وتزامن مع بدء العمل بمشروع ميناء الفاو الكبير.

 

أين يمر طريق التنمية؟

يشمل المشروع، الطريق البري والحديدي الممتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويتكون من طريق بري وسكك حديدية بطول 1200 كيلومتر داخل العراق، وربطه بشبكة السكك التركية.

يبدأ المشروع من ميناء الفاو في البصرة مروراً بمدن الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، ثم يدخل الأراضي التركية من قرية أوواكوي التابعة لولاية شرناق جنوب شرق تركيا، وصولاً إلى ميناء مرسين على البحر المتوسط، ومنه إلى أوروبا.

ومن المتوقع أن يبلغ طول السكك الحديدية والطرق السريعة التي تربط بين ميناء الفاو والحدود التركية 1200 كيلومتر، بتكلفة تصل إلى 17 مليار دولار.

ومن المرتقب أن يشارك في المشروع بالإضافة إلى تركيا والعراق، عدد من دول المنطقة، وهي: السعودية وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر والإمارات والبحرين وإيران، ومن المفترض أن تنتهي المرحلة الأولى من المشروع عام 2028، والثانية في 2033، والثالثة في 2050.

 

أولوية عراقية تركية

ومن المتوقع أن يكون مشروع طريق التنمية في مقدمة الملفات التي سيتداولها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته المرتقبة للعراق عقب شهر رمضان.

وعلى الرغم من أن البيان المشترك العراقي – التركي الذي صدر عن الجانبين عقب اجتماع أمني موسع عقد في العاصمة بغداد الخميس الماضي، لم يشر إلى موضوع طريق التنمية، إلا أن باحثين أتراكا يؤكدون أن تركيا تسعى لتعبيد الطريق أمام المشروع من خلال إنهاء المشاكل الأمنية التي تعترض تنفيذ طريق التنمية وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

ويشغل المشروع مكانة مهمة في أجندة اللقاءات التركية العراقية على أعلى المستويات، إذ أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 13 سبتمبر 2023، أن بلاده تجري مفاوضات مكثّفة مع العراق، والإمارات، وقطر بشأن المشروع.

وفي فبراير/ شباط الماضي، بحث وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي ونظيره التركي عبد القادر أورال أوغلو في العاصمة التركية أنقرة آخر مستجدات "مشروع التنمية".

وقال الوزير التركي إن "نقل البضائع الذي يستغرق حوالي 45 يومًا من رأس الرجاء الصالح، وحوالي 35 يومًا من البحر الأحمر، يمكن إكماله في 25 يومًا باستخدام (طريق التنمية) الذي هو قيد الإنشاء".

بالمقابل أوضح السعداوي أن "مشروع طريق التنمية داخل العراق يتكون من 3 محاور رئيسية: ميناء الفاو، والسكك الحديدية، والطرق السريعة".

وقال إن "العمل في المرحلة الأولى (ميناء الفاو) وصلت مراحل الانجاز لنحو 85% ، وفي المرحلة الثانية (السكك الحديدية) وصل لنسبة 55% ، وفي المرحلة الثالثة (الطرق السريعة) وصل لنسبة 35%".

 

عزم حكومي

ويسعى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تبني المشروع وتنفيذه، على اعتباره أول مشروع تنموي ينفذ في العراق خلال العقدين الماضيين.

وهنالك دوافع سياسية خاصة بحكومة السوداني تتجلى بسعيها إلى أن يكون المشروع منجزا لها يعكس جديتها في تبني برنامج تنموي طموح يعالج الوضع الاقتصادي في البلاد، ومن الممكن أن يخدم الحكومة في مدى شعبيتها، وكذلك يخدم أيّ حملة انتخابية من الممكن أن يقودها السوداني مستقبلًا، فضلًا عن أن مشروع طريق التنمية يتناسب مع إظهار الحكومة بأنها حكومة خدمات معنية بتطوير الوضع الاقتصادي والخدمي، وتوفير فرص العمل بدلًا من استهلاك نفسها في التنافس والأزمات السياسية مع القوى السياسية المعارِضة لها.

 

مواقف متضاربة

ويرى عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي حسن الصباري أن هناك تصميماً من القائمين على المشروع، على تنفيذه وفق الجدول الزمني المحدد.

وأضاف الصباري: "هذا المشروع مهم من عدة جوانب، وتتعاون تركيا مع العراق على إنجازه، لدينا علاقات تاريخية مع تركيا، ونشترك معها في حدود طويلة، كما أن تركيا شريك استراتيجي للعراق، أعتقد أن هذا المشروع سينجح".

لكن النائب حسن سالم عن كتلة (صادقون) الممثلة لحركة (عصائب أهل الحق) في البرلمان هاجم المشروع ووصفه بأنه "وصمة عار" في تاريخ ساسة العراق، وأضاف: أنه "يمثّل فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبّعت بفيروس الفساد"، حسب تعبيره.

 

مكاسب العراق من الطريق 

يوضح الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن "أكبر مكسب للاقتصاد العراقي من هذا المشروع هو تطوير قطاع النقل المتهالك، والذي سيجلب معه نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي عانت خلال الأربعين سنة الماضية".

وأشار المشهداني في تصريحات صحفية إلى "المدن الصناعية ستبنى بالقرب من هذا الطريق، إضافة إلى مدن سكنية جديدة تبعد عن مراكز المدن الكبرى من 10 إلى 20 كيلومترا على الأقل، تستوعب عددا كبيرا من السكان في ظل الكثافة السكانية التي أدت إلى أزمة سكنية في العراق".

ولفت إلى أن "المشروع سيؤدي إلى الانتعاش التجاري، إذ سيوفر هذا الطريق آلاف فرص العمل، لاسيما بعد أن تتحول الفاو إلى مدينة صناعية كبيرة قد تُنقل إليها بعض المصانع الدولية، فضلا عن الأرباح المتوقعة من المشروع تقدر بـ 4 مليارات دولار سنويا".

ونوه المشهداني إلى أن "الصين أبدت استعدادها مرارا لنقل جزء من معاملها إلى مدينة الفاو، مستفيدة من قِصَر المسافة وتوافر المواد الأولية والأيدي العاملة"، مبينا أن "المشروع الضخم سيصب كذلك في مصلحة قطاع المياه في العراق، حيث يتضمن خطة لتحلية مياه البحر، في الوقت الذي يشهد فيه العراق أزمة شملت مياه الشرب".

 

تحديات وعقبات أمام المشروع

أما استاذ العلاقات الدولية في جامعة تكريت مثنى العبيدي فيؤكد أن مشروع طريق التنمية إن تم تجسيده على أرض الواقع، فلن يكون مجرد طريق للمرور بقدر ما سيزيد من دور العراق الإقليمي وتعزيز علاقاته مع مختلف الدول العربية والإقليمية.

يكشف العبيدي في مقال عن جملة تحديات وعراقيل تقف أمام طريق التنمية، وتلك التحديات تتمثل بما يلي: 

- تَهالُك البنى التحتية، لا توجد بنى تحتية خاصة بقطاع النقل كافية تفي بمتطلبات مشروع طريق التنمية، فقد عانى العراق تدهورًا وتهالكًا في بنيته التحتية بما في ذلك قطاع النقل، وذلك بسبب الحروب الممتدة من ثمانينات القرن الماضي ولغاية انتهاء الحرب على داعش عام 2017.

- التجاذبات السياسية الداخلية، على الرغم ما للمشروع من أهمية وتأييد من قِبَل غالبية القوى السياسية العراقية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، فإن هنالك معترضين على المشروع حتى من داخل تحالف الإطار التنسيقي الذي شكّل الحكومة الحالية وينتمي إليه محمد شياع السوداني.

- أزمة الفساد، لعل من أهم التحديات التي يتعرض لها مشروع طريق التنمية، أزمة استشراء الفساد الإداري والمالي والسياسي في مختلف القطاعات والمفاصل والمؤسسات وبشكل هائل، ولعل الكثير من المشاريع الخدمية والاستثمارية الضخمة قد أفشلها الفساد والأجندات الغامضة للقوى السياسية والفصائل المسلحة التي تتدخل في مختلف المشاريع والقطاعات لتحقيق مصالحها، وهنالك من يرى أن أول بوادر الفساد في هذا المشروع أن دراسة الجدوى للمشروع قد أُحيلت بشكل مباشر إلى شركة إيطالية هي Progetti Europa & Global S.p.A ترتبط بعلاقة مع بعض الفصائل المسلحة التي مارست تأثيرها على الحكومة لإحالة دراسة الجدوى إلى هذه الشركة حتى من دون طرح عطاءات أخرى، الأمر الذي يثير مسألة مدى قدرة الحكومة على تنفيذ مشروع "الطريق" من دون فساد أو تأثير أو تدخّل القوى السياسية والفصائل المسلحة فيه.

- تعقيدات الوضع الأمني، لا يزال الاستقرار الأمني في العراق نسبيًّا، وقد يتعرض للاهتزاز في أيّ وقت، وذلك لعدة أسباب، منها: وجود خلايا لتنظيم داعش في بعض المناطق، كما أن هناك وجودًا لحزب العمال الكردستاني في بعض المناطق الشمالية التي تمر منها خطوط نقل وسكك حديد طريق التنمية، ما يجعلها عُرضةً لهجماته في أيّ وقت، الأمر الذي يضيف عائقًا أمنيًّا أمام تنفيذ المشروع وعمله، أما المناطق الجنوبية، فهنالك فصائل مسلحة موالية لإيران لها مصالحها الاقتصادية وأجنداتها التي تتعارض مع مشروع طريق التنمية، وستكون بنى المشروع عرضة لتهديداتها، فضلًا عن مسألة وجود "سلاح خارج سيطرة الدولة" الذي لم تحسمه الحكومات العراقية المتعاقبة، الأمر الذي يُشعِر الشركات والدول المستثمرة بأن العراق ليس منصة آمنة لمرور بضائعها من خلاله أو استثمار أموالها.

- توفير التكلفة والمتطلبات، يحتاج مشروع طريق التنمية إلى تكلفة مالية تُقدَّر بــ 17 مليار دولار، وكذلك إنجاز بناء ميناء الفاو الكبير، وتوفير الطاقة وباقي المتطلبات الأخرى، ولكن الحكومة العراقية لم توضّح بعد مصادر هذه التكلفة والمتطلبات، ولم توضّح كذلك ما إذا كانت قادرة على جذب أو استقدام الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في تمويل المشروع، فضلًا عن أن المشروع يتطلب توفير الطاقة الكهربائية في الوقت الذي يعاني فيه العراق أزمة كهرباء مزمنة منذ سنوات، على الرغم مما يتم تخصيصه من أموال طائلة لهذا القطاع ولكن من دون جدوى.

- التحدي الإيراني، عند النظر إلى مشاريع إيران للنقل وعلاقاتها الاقتصادية في العراق، ولاسيما في مجال تصديرها للغاز والكهرباء وباقي السلع والبضائع، فإن ذلك يتعارض مع مضامين وأهداف مشروع طرق التنمية، الذي يعني بالضرورة التحرر من التبعية لإيران اقتصاديًّا، وبخاصة في موضوع الطاقة الكهربائية والغاز، الأمر الذي قد تتحفَّظ عليه إيران على أقل تقدير، إن لم تعارضه أو تعيق تنفيذه أو عمله.

 

أولوية مؤقتة

ألقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول 2023 بضلالها على التطورات السياسية والاقتصادية الدولية، فبعد الحرب شهدت منطقة البحر الأحمر تصعيدا من الحوثيين لمنع مرور السفن باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك أصبحت الطريق البحري عبر البحر الأحمر في خطر وهو ما جعل ميناء الفاو وطريق التنمية ضرورة ملحة لكل دول المنطقة والاتحاد الأوروبي.

وبحسب تصريحات لوزير النقل العراقي زراق محيبس السعداوي فإن الجانب التركي أبلغ العراق بأن هناك ضغطا كبيرا من الاتحاد الأوروبي بضرورة الإسراع مع العراق في إنجاز طريق التنمية بالسرعة القصوى، وذلك بسبب تعطل الملاحة في البحر الأحمر.

وردا على ذلك، يرى الباحث الاقتصادي زياد الهاشمي ضرورة تذكير الوزير العراقي وغيره من المسؤولين العراقيين إلى أن مشاريع النقل لا تخضع لطريقة (ما يطلبه المستمعون) فهذه المشاريع تعتبر مشاريع مستنزفة لرؤوس المال، بسبب كلفتها الضخمة، ولا يتم تنفيذها إلا باشتراطات وضوابط مشددة ودقيقة.

وكتب الهاشمي في تغريدة على منصة "X" أن "أهم هذه الاشتراطات ضمان (استدامة الطلب) أي توفر حصة سوقية مضمونة وثابتة لها في المشروع لتحقيق عوائد مالية مستدامة وتولد أرباحاً صافية للمشروع".

ولفت إلى أنه "وبسبب هجمات الحوثي وتوقف حركة السفن في البحر الأحمر، فقد تشكل (طلب طارئ) على كل وسائط النقل البديلة في المنطقة ومنها طريق التنمية، ولكنه أوضح أنه مع توقف الهجمات وعودة حركة النقل لطبيعتها في البحر الأحمر، سيتوقف الطلب على النقل من الممرات البرية البديلة، وحينها ستتحول الأرباح إلى خسائر فادحة، إن لم تتوفر بدائل نقل لتلك الممرات".

 وأضاف: "أنصح هذا الوزير أن يركز مع باقي زملائه المسؤولين على عملية إنشاء المشاريع التنموية واللوجستية على جانبي طريق التنمية، وأن يترك عنه ما يسمعه من هنا أو هناك،  فالعراق غير مستعد لخسارة عشرات المليارات فقط لتلبية المتطلبات الوقتية للآخرين، وإهمال المتطلبات الاستراتيجية للعراق من هذا المشروع"!.

اخترنا لك