صورة الخبر

07:35:14 2024-12-11 : اخر تحديث

12:18:03 2024-03-04 : نشر في

المساءلة والعدالة.. مقصلة سياسية أم جدار لمنع "عودة البعث"

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

منذ صدوره في العام 2003 بقرار من الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمير، وقانون اجتثاث البعث والذي تحول فيما بعد إلى قانون "المساءلة والعدالة" وهو يستخدم لاستهداف وإقصاء المكون العربي السني عن المشهد السياسي في العراق"، هكذا تنظر القوى السنية للقانون، وبسبب ذلك تطالب منذ سنوات بوقف العمل بالقانون وحل هيئة المساءلة والعدالة.

لكن استغلال هيئة المساءلة والعدالة تطور بعد عقدين من تشكيلها من استهداف العرب السنة إلى أداة تستخدمها القوى المتنفذة للإطاحة بخصومها في الميدان السياسي، ولاسيما خلال مرحلة الانتخابات.

عندما سُنّ القانون الخاص باجتثاث هيكل حزب البعث في العراق، وإزالة قيادته في مواقع السلطة، كان ضمن حزمة من قوانين المرحلة الانتقالية من نظام الرئيس الراحل صدام حسين إلى النظام الحالي، لكن القانون ما يزال ساري المفعول بعد مرور 21 عاما على صدوره، إذ تحول إلى وسيلة للانتقام من جهة ووسيلة للاستهداف السياسي من جهة أخرى.

 

آخر القرارات

آخر القرارات الصادرة عن هيئة المساءلة والعدالة استهدفت محافظ نينوى السابق نجم الجبوري وأقصته من المشاركة في الانتخابات المحلية، على الرغم من أنه شغل قبل ذلك منصب قائد عسكري للعمليات في نينوى وبعد ذلك محافظا لها، إذ جاء إبعاد الجبوري عن الانتخابات بضغط مارسه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، كون الجبوري يمثل المنافس الأبرز له في نينوى خلال الانتخابات المحلية.

كما استهدفت قرارات المساءلة والعدالة مرشحا فائزا في انتخابات البصرة عن كوتا المكون المسيحي فاهرام هايك، بضغط من حركة بابليون بزعامة ريان الكلداني، الذي فاز أحد مرشحيه بالمنصب بعد استبعاد فاهرام هايك، الذي وصف علاقته بحزب البعث المنحل بالسطحية كباقي معظم الموظفين، مستغرباً ان يكون ذلك سبباً في إلغاء مقعده الذي حصل عليه خلال انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة.

 

إلغاء هيئة المساءلة

وسعت القوى السياسية السُنية خلال السنوات الماضية إلى إلغاء القانون؛ إلا أنها كانت تصطدم دائمًا برفض القوى السياسية الشيعية.

وأكّد القادة السُّنة المنضمون إلى تحالف إدارة الدولة، وجود بند ضمن الاتفاق السياسي مع تحالف الإطار التنسيقي في فترة تشكيل الحكومة يقتضي إحالة ملف هيئة المساءلة والعدالة أو ما يُعرف بهيئة "اجتثاث البعث"، إلى القضاء تمهيداً لإلغائها، وعلى الرغم من المفاوضات السياسية تحول سياقات قانونية ودستورية دون الإسراع في إحالتها أو إلغائها.

 

مخاوف من عودة البعث

لكن قيادات الإطار تؤكد رفضها لإلغاء القانون وحل المساءلة والعدالة، وهو ما يفسر موقف القوى الشيعية الرافض لإنهاء ملف اجتثاث البعث.

ويؤكد قياديون في الإطار التنسيقي أن عودة البعثيين برأيهم مرتبطة بحلّ هيئة المساءلة والعدالة، ولذلك فإن هناك تخوف من قرار إلغاء الهيئة بالرغم من الاتفاقات السياسية على تضمين قرار حل المساءلة والعدالة.

 

أجندة سياسية تحرك المساءلة والعدالة

عضو مجلس النواب العراقي عامر عبد الجبار أكد أن هيئة المساءلة والعدالة تعمل وفقا لأجندة سياسية، مشددا على ضرورة إنهاء عمل هيئة المساءلة والعدالة بحكم تقدم السن للبعثيين.

وقال عبد الجبار في تصريحات صحفية تابعتها شبكة "الساعة": إن "هيئة المساءلة والعدالة مسيسة بعمله"، مبينا أنه "لا يمكن لأي مرشح المشاركة في الانتخابات دون المرور على هيئة المساءلة والعدالة"، مشيرا إلى أن "الهيئة ورغم ذلك استبعدت بعض المرشحين الفائزين في الانتخابات".

وأضاف: أن "تفعيل المساءلة والعدالة يحدث دائماً لغرض تغيير الخارطة السياسية"، لافتا إلى أنه "لا يمكن تثبيت أي مدير عام على المنصب دون المرور بملف هيئة المساءلة والعدالة".

واستغرب البرلماني العراقي قيام الهيئة بتدقيق أسماء مرشحين للانتخابات ممن ولدوا بعد العام 1990، مؤكدا أن "الهيئة لا تمتلك أصلا قاعدة بيانات خاصة بالبعثيين"، منوها إلى أن "الهيئة لا تمتلك نظاما إلكترونيا لتدقيق أسماء المنتمين للبعث".

وتابع عبد الجبار: أن "محافظ نينوى السابق نجم الجبوري استبعد من الانتخابات بحجة الانتماء للبعث نتيجة خلافات سياسية"، مشددا على أن "بقاء المساءلة والعدالة يعد قراراً سياسياً وأن المصالح الحزبية هي التي حولت عمل الهيئة إلى الابتزاز السياسي"، حسب تعبيره.

 

أداة للثأر والانتقام والاستهداف

ويتفق مع ذلك مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، الذي أكد أن المساءلة والعدالة تحولت إلى أداة للثأر والانتقام والاستهداف السياسي.

وقال فيصل في حديث لشبكة "الساعة" إن "تجربة المساءلة والعدالة في دول أخرى أبرزها جنوب أفريقيا كان الهدف منها هو تحقيق الإنصاف لذوي الضحايا والضحايا الذين تعرضوا للسجون والإعدامات والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير والعلاقات الديمقراطية، حيث إن الغرض من التجربة هو تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاسبة المتورطين بالجرائم وليس الانتقام".

وأضاف: أن "ما حصل في العراق بعد 2003 بصدور قانون الاجتثاث الذي أصدره الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر وتطبيقه بطريقة تعسفية شملت الآلاف من تدريسيي الجامعات والضباط والموظفين ومنتسبي القوات المسلحة والخبراء، حيث تم حرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وغيرها"، مبينا أن "التطبيق الثأري للقانون شمل ملايين البشر وهدد أوضاعهم الاقتصادية والمعاشية، ما شكل خطرا كبيرا على المجتمع العراقي".

وأشار فيصل إلى أن "الإنصاف الذي بني على أساس مفهوم المساءلة والعدالة يقتضي محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم فقط، وبعد ذلك تتجه الدول والمجتمعات إلى المصالحة المجتمعية الحقيقية كما حصل في جنوب أفريقيا عبر المصالحة بين السكان الأصليين الأفارقة السود والمستوطنين البيض".

ولفت إلى أنه بعد شمول العديد من المجتثين بقرار العودة للمؤسسات الحكومية في العراق، تم ملاحظة استهدافهم مجددا بقانون المساءلة والعدالة، كما حصل مع محافظ نينوى السابق نجم الجبوري الذي أقصي لأهداف سياسية، وأيضا ما حصل مع شعلان الكريم المرشح لرئاسة البرلمان، حيث أثير ملف المساءلة ضده بالرغم من أنه نائب في البرلمان العراقي".

وشدد فيصل على "ضرورة إبعاد المساءلة والعدالة عن الأمور السياسية، كما يجب أن تشمل العقوبات الخاصة به المتورطين بارتكاب الجرائم فقط دون غيرهم".

 

كيف تحل الهيئة؟ 

وبشأن الدعوات الخاصة لحل هيئة المساءلة والعدالة وإنهاء العمل بقانونها يرى الخبير القانوني علي التميمي أن الأمر مناط بمجلس النواب، حيث إن الموضوع من ضمن صلاحياته.

وقال التميمي في حديث لشبكة "الساعة" إن " المادة 135 ثانيا من الدستور جاء فيها (أنه لمجلس النواب حل هيئة المساءلة والعدالة بعد الانتهاء من عملها بالأغلبية المطلقة)".

وأضاف: أنه "عند الرجوع لقانون هذه الهيئة 10 لسنة 2008 أوجبت المادة 19 منه على أن تقوم هذه الهيئة بتقديم تقرير فصلي إلى مجلس النواب عن الإجراءات التي اتخذتها .... كونها أي الهيئة ترتبط  بمجلس النواب وتخضع لرقابته، ولذلك هي ملزمة بإشعار مجلس النواب هل أنهت أعمالها ام لا ..ولمجلس النواب كذلك الاستفسار منها عن ذلك ".

وتابع التميمي: أن "المادة 24 من قانون هيئة المساءلة والعدالة نصت على أن تقوم هذه الهيئة بإعداد أرشيف عن المشمولين ووظائفهم وإحالته إلى مجلس الوزراء حتى يقوم الأخير بتعميمه على الجهات الحكومية والمنظمات، وهذا من أجل عدم تعيينهم مرة أخرى، وحتى يعمل مجلس الوزراء بحكم المادة 135 من الدستور بإشعار البرلمان بانتهاء عمل هذه الهيئة أي بالتنسيق".

وأشار إلى أن "المادة 25 من قانون هيئة المساءلة والعدالة أشارت إلى أنه لمجلس النواب حل هيئة المساءلة والعدالة بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء بعد التأكد من خلال ما تقدمه الهيئة إلى مجلس النواب من تقارير فصلية".

وتابع: أن "حل هيئة المساءلة والعدالة لا يحتاج إلى تشريع قانون جديد، لأن طريقة الحل رسمها المشرع مع كل الإجراءات في قانون الهيئة النافذ 10 لسنة 2008، بالتالي فإذا ما قرر مجلس النواب الحل فإن قراره هذا هو امتداد وتكملة للإجراءات القانونية التي رسمها القانون وتعتبر امتداد لهذا القانون الذي أبقى مسألة الحل مفتوحة وبحل هذه الهيئة ينتهي القانون لوجود المادة 25 من القانون أعلاه التي أجازت ذلك"، مبينا أنه "لو أراد المشرع إنهاء عمل الهيئة بقانون جديد لنص على ذلك لكنه وضع الإجراءات بعد الحل وترك التفاصيل لمجلس النواب في قرار التصويت"، أي بمعنى آخر أن "قرار حل هيئة المساءلة والعدالة من البرلمان يعد امتدادا للقانون رقم 10 لسنة 2008 الذي أبقى نفسه مفتوحا لحين التصويت على قرار الحل".

اخترنا لك