صورة الخبر

2024-02-12 06:51:55

حقن قاتلة للسجناء ومقبرة جماعية لهم في النجف.. انتهاكات السجون العراقية تتفاقم

حجم الخط

فريق التحرير- شبكة الساعة

انتهاكات تتلوها انتهاكات، هكذا هو الحال في السجون العراقية التي تحولت إلى واحدة من أبرز وأهم ساحات انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، على خلفية تسجيل المئات من حالات الوفاة جراء التعذيب والإهمال الطبي المتعمد والاكتظاظ.

وعلى الرغم من الدعوات المستمرة لوقف تلك الانتهاكات والوعود الحكومية بمعالجتها ومحاسبة المقصرين إلا أن واقع الحال داخل السجون يشير إلى العكس، فالمظالم هناك لا حصر لها، وكأن السجون الحكومية لا حسيب ولا رقيب عليها.

آخر تلك الانتهاكات سجلت في سجن الكرخ بالعاصمة بغداد "سجن مطار كروبر" سابقا، حيث توفي أحد المعتقلين نتيجة الإهمال الطبي المباشر والمتعمد، فيما يتهم ذوو الضحية القائمين على السجن بتصفية المعتقل.

 

إهمال يفضي إلى الوفاة

المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب كشف مطلع شهر شباط الجاري عن حالة وفاة لمعتقل في السجون الحكومية، وقالت إن السلطات المسؤولة أهملت علاجه ما تسبب بوفاته، وكشف عن إلقاء جثته في ساحة مجاورة للسجن.

المركز وفي بيان له وثق وفاة المعتقل "محمد تركي محمد الزوبعي" داخل سجن الكرخ في بغداد بعد مضي ما يقرب من 16 سنة على اعتقاله ، مبينا أن "الضحية وهو من أهالي قضاء أبي غريب غربي العاصمة اعتُقل في شهر آب عام 2008 وفارق الحياة بتاريخ 31 كانون الثاني الماضي نتيجة إصابته بالتدرن الرئوي والفشل الكلوي بعدما عانى على مدى سنوات اعتقاله من الإهمال الطبي ورفض إدارة السجن تقديم العلاج له".

وأشار المركز إلى أن "إدارة السجن رمت بجثة المتوفى في الساحة المقابلة للسجن ؛ إمعانًا في التنكيل به بدوافع طائفية في حين كانت ترفض طول مدة اعتقاله السماح لعائلته بزيارته أو الاطلاع على مصيره".

 

شهادات توثق تفاصيل الوفاة

حصلت شبكة "الساعة" على معلومات إضافية عن وفاة المعتقل محمد تركي محمد الزوبعي من خلال التواصل مع أقارب الضحية، الذين كشفوا عن وجود تعمد في تصفية المعتقل بعدما أنهى أغلب مدة الحكم المفروض عليه والبالغ 20 عاما.

وقال أحد أقارب المعتقل الزوبعي لشبكة "الساعة": إن "المعتقل محمد من سكنة قضاء أبي غريب في بغداد اعتقلته قوة مشتركة أمريكية – عراقية في شهر آب عام 2008 بتهمة الإرهاب والتي كانت في تلك الفترة تركز اعتقالاتها في مناطق محددة شهدت مقاومة للوجود الأمريكي".

وأضاف أقارب المعتقل والذي رفض الكشف عن هويته خشية الملاحقة من القوات الأمنية: أن "المعتقل أمضى أغلب سنوات الاعتقال في سجن الناصرية المعروف باسم (الحوت)، ثم نقل العام الماضي إلى سجن المطار في بغداد والمعروف حاليا باسم سجن الكرخ، وبين أن الضحية أصيب بمرض في الكلى خلال وجوده في سجن الناصرية لكنه عندما نقل إلى سجن الكرخ لم تكن حالته الصحية سيئة".

وتابع: أن "المعتقل المتوفى تدهورت حالته الصحية حيث تطورت حالته المرضية إلى الفشل الكلوي إضافة إلى إصابته بمرض التدرن، ورغم ذلك رفضت إدارة السجن تقديم العلاج له أو نقله إلى مستشفى تخصصي، لكن بعد اتصالات أجراها ذوو المعتقل مع إدارة السجن وافقت على نقله إلى مستشفى العطيفية لتلقي العلاج".

وأشار أقارب المعتقل في شهادته إلى أن "حالة المعتقل تحسنت خلال يومين من وجوده في المستشفى، حيث تأكد من ذلك أبناء عمه الذين زاروه في المستشفى، فضلا عن أن الطبيب المشرف عليه أكد أنه تجاوز مرحلة الخطر وأنه في مرحلة التحسن"، مبينا أن "أبناء عم الضحية تفاجؤوا بوفاته في اليوم التالي عندما كانوا يؤدون زيارة له في المستشفى"، مؤكدا أن "الصدمة الأكبر كانت عندما وجدوا جثة المتوفى ملقاة في ساحة وقوف السيارات المقابلة للمستشفى".

وأوضح أن "التقرير الخاص بالطب العدلي كشف عن حالة الوفاة المباشرة هي التسمم جراء حقنة أعطيت له، والتي تبين أنها السبب الرئيسي للوفاة"، لافتا إلى أن "دائرة الطب العدلي رفضت منح تقرير الطب العدلي لذوي المتوفي ولم تسلمها لهم لغاية الآن"، وأوضح أنه "لم يتم التأكد بشكل قطعي ما إذا كانت الحقنة قد أعطيت له بالخطأ أو بشكل متعمد لقتله، لكنه رجح أن يكون هناك تعمد في قتله لأن حالات سابقة مماثلة قد سجلت داخل السجون العراقية لاسيما مع المعتقلين الذين اقتربوا من انتهاء مدد محكوميتهم".

وختم الشاهد حديثه قائلا "لولا متابعة أقاربي للسجين المتوفى لما علمنا أين جثته حاليا، وربما كان سيدفن في إحدى المقابر ويكون صاحب الجثة مجهول الهوية، كما حصل مؤخرا مع عشرات الجثث مجهولة الهوية والتي دفنت في مقبرة النجف".

 

وصمة عار 

أثارت وفاة المعتقل محمد حميد الزوبعي ردود أفعال غاضبة وأعادت إلى الواجهة ملف العفو العام الذي تعطله القوى السياسية المتنفذة في البلاد والمنضوية في الإطار التنسيقي من أكثر من عام.

عضو مجلس النواب رعد الدهلكي وصف ما حصل مع المعتقل (محمد تركي محمد الزوبعي) بأنه وصمة عار وضربة لحقوق الإنسان في العراق الجديد.

وقال النائب الدهلكي في بيان ورد لشبكة "الساعة": إن "ما تناقلته مؤسسات إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي من صور للمعتقل (محمد تركي محمد الزوبعي) المعتقل لفترة تجاوزت الستة عشر عاما وتوفي بسبب الإهمال الطبي وعدم توفير العلاج له بعد إصابته بالتدرن الرئوي، والفشل الكلوي، ولم يتم الاكتفاء بهذا بل ألقيت جثته على الأرض دون أدنى مراعاة لمعايير الإنسانية واحترام حقوق الإنسان في موقف معيب يمثل وصمة عار لكل مفاهيم حقوق الإنسان في العراق الجديد".

وأضاف الدهلكي: أن "ما جرى ويجري داخل السجون نضعه أمام أنظار رئيس مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب ووزير العدل، وجميع القوى السياسية والدينية في العراق الجديد، لتوضيح ما يجري، وتساءل، هل هذا هو العراق الديمقراطي الذي يحترم الانسان؟".

وشدد النائب على أن "الإنسان مهما كانت جريمته وبغض النظر عن أي أحكام قضائية فطالما كان معتقلا ينبغي التعامل معه بكل إنسانية وفقا للقانون"، مبينا أن "ما نراه من فضائع تجري خلف القضبان يجعلنا أمام موقف إنساني وأخلاقي في إنهاء هذه الفوضى والتحرك الفوري للتحقيق في كل ما يجري داخل السجون".

الدهلكي أكد على "ضرورة الإسراع بتشريع قانون العفو العام وإخراج جميع المعتقلين بالتهم الكيدية والمخبر السري وأن يتم إبعاد هذا الملف الإنساني عن المزايدات السياسية أو الأحقاد الطائفية التي أضاعت البلاد والعباد، مع التشديد على توفير الوضع الملائم داخل السجون من ناحية الطعام أو العلاج، ومحاسبة جميع المقصرين في التعامل مع هذا الملف".

 

تجاهل حكومي للانتهاكات

من جهته اتهم مرصد "أفاد" المعني بملف حقوق الإنسان في العراق السلطات الحكومية والقضاء العراقي بتجاهل الدعوات المحلية والدولية الخاصة بوقف انتهاكات حقوق الإنسان في السجون.

وقال المتحدث باسم المرصد حسين دلي في حديث لشبكة "الساعة": إن "السجون العراقية ما تزال تشكل إحدى محاضن الاحتقان الطائفي والممارسات الانتقامية والإهمال الصحي وابتزاز أولياء أمور السجناء".

وأضاف: أن "الحكومة العراقية ومجلس القضاء يواصلون وللأسف تجاهل كل الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية بشأن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون العراقية".

وأكد دلي أن "الجريمة التي ارتكبت بحق السجين محمد الزوبعي تكرس السمعة السيئة المعروفة عن إدارات السجون العراقية من ضعف الرعاية الصحية وتجويع السجناء وابتزازهم"، مبينا أن "تلك الانتهاكات تتزامن مع معلومات عن مصادقة رئيس الجمهورية على حملة إعدامات جديدة لنحو 150 سجيناً عراقياً قبل شهر تقريباً بما يعكس تنصلاً واضحاً عن التزامات العراق بالملف الحقوقي دولياً وخصوصاً قضية انتزاع الاعترافات تحت التعذيب"، مبينا أن "الجريمة جاءت أيضا في ظل مناقشة قانون العفو العام الذي تم تأجيل التصويت عليه مرات عدة من الأحزاب السياسية بأعذار واهية".

 

أعداد المعتقلين

ولا توجد إحصائية بحالات الوفاة داخل السجون العراقية جراء انتهاكات حقوق الإنسان، لكن بعض الحقوقيين أكدوا أنها لا تقل عن 100 حالة وفاة في العام الواحد.

وتتصدر الانتهاكات في السجون العراقية ملفات انتهاكات حقوق الإنسان في العراق بسبب فضاعة ما يجري فيها من تعذيب وانتزاع للاعترافات، فضلا عن الاعتقال خارج القانون من خلال الاعتماد على وشاية المخبر السري والبلاغ الكاذب.

وتركزت الاعتقالات التي خفت وتيرتها في الوقت الحالي في محافظة نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى، فضلا عن محافظة كركوك المختلطة قوميا، والعاصمة بغداد المختلطة طائفيا.

وفي وقت سابق استبعد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب إنهاء ملف انتهاكات المعتقلين في السجون قريبا، واتهم السلطات الحكومية بالتعامل الطائفي مع هذا الملف.

وقال مدير المركز عمر الفرحان في تصريح لشبكة "الساعة": إن "عدد المعتقلين في السجون الحكومية التابعة لوزارة العدل يتراوح ما بين 60 ألفا – 75 ألف معتقل أغلبهم محكومون بتهم الإرهاب، والباقي محكوم بتهم المخدرات والقتل والجرائم الجنائية الأخرى".

ولفت إلى "وجود أعداد أخرى من المعتقلين لدى القوات الأمنية لم يتم إصدار الحكم القضائي عليهم وهم منذ فترات طويلة في السجون خلافا للقانون الذي يوجب إصدار الحكم عليهم خلال فترة محدودة، بعد عرضه على القاضي خلال 24 ساعة من توقيفه".

وتابع: أن "المشكلة الرئيسة في ملف السجون الحكومية تكمن في ملف المعتقلين بقضايا الإرهاب، لأن اعتقالهم جرى بدوافع طائفية ودون وجود أدلة قانونية على تورط المعتقلين بارتكاب جرائم الإرهاب، إضافة إلى أن أغلب المعتقلين بهذه القضايا صدرت أحكام قضائية عليهم استنادا على الاعترافات التي انتزعت منهم بالقوة والإكراه".

وأكد أن "السمة في السجون العراقية هي الاكتظاظ وانحدار المستوى الصحي والخدمي ومخالفة القوانين العراقية والدولية في مجال التعامل مع نزلاء السجون"، وأشار إلى أن "أبواب السجون موصدة دائما بوجه المنظمات العراقية والدولية وذلك لضمان عدم الكشف عن فضائح التعذيب التي تجري داخلها".

وقدمت الحكومة العراقية التعديل الخاص بقانون العفو العام إلى مجلس النواب، وقدمت مسودة التعديل من اللجنة القانونية إلى رئاسة البرلمان بانتظار إدراجه في الجلسات المقبلة وقراءته والتصويت عليه، لكن الكثير يشكك بتمرير قانون العفو في ظل رفض قوى الإطار التنسيقي لهذا القانون.

وتطالب مراكز حقوقية عراقية بتفعيل قانون العفو العام وإعادة المحاكمات لمن صدرت ضدهم أحكام جائرة نتيجة تشابه الأسماء أو بلاغات المخبر السري، وذلك لضمان إطلاق سراح الأبرياء.

اخترنا لك