-->

2024-02-04 11:15:52

القضية الفلسطينية.. دور السعودية المحوري في صفقة القرن

آمنة ملا جياد-شبكة الساعة

+ حجم الخط -

يقول روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للدراسات والذي توجه مع 50 باحثًا إلى الرياض قبل ساعات من صدور قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف رسميا أنها عاصمة "إسرائيل"  في 2017 لدراسة ردة الفعل السعودية إن ردة الفعل المنتظرة كانت خارج التوقعات تمامًا وعبر عن دهشته من تجاهل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للقرار والتطرق إلى المستقبل الواعد الذي ينتظر العلاقات السعودية الإسرائيلية.

بدأت السعودية بأخذ دورها العملي في تذويب القضية الفلسطينية في 2017 أي قبل الإعلان عن صفقة القرن بسنتين؛  إذ إن إنهاء القضية الفلسطينية وفرض حل ولو بالإكراه هو الهدف الأول والمباشر لتحقيق جوانب "صفقة ترامب للسلام" وفي هذا الشأن طرحت الصفقة أفكار عدة جميعها تنتهي بـ "لا دولة فلسطينية ذات سيادة"، فكان الحديث عن كونفدرالية مع الأردن، ودولة مؤقتة في غزة مع انضمام الضفة الغربية عقب استقطاع المستعمرات الكبيرة منها للأردن، يتلوها إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين باعتبار صفة لاجئ لا تورث، مع إجهاض الربيع العربي فضلا عن التطبيع العربي بشكل كامل وعلني مع الاحتلال الإسرائيلي.

تأتي بعدها مرحلة تنصيب "إسرائيل" زعيمة على المنطقة العربية بعد تقسيم دول المنطقة وتفتيتها لدول أصغر على أسس دينية أو عرقية أو طائفية أو قبلية أو مناطقية، مع دخولها بحلف وشراكة مع باقي الدول وخاصة الإمارات ومصر والسعودية وإعادة تشكيل المنطقة بما يمنع أي ثورات على الحكام فيها، أو ضد "إسرائيل" ما يعني إعادة تأهيل الأنظمة في سوريا بشار الأسد وفي مصر عبد الفتاح السيسي وتنصيب زعامات موالية في باقي الدول العربية تسير مع التحالف العربي الإسرائيلي والسودان خير مثال.

هذا الدور وقع على عاتق السعودية والإمارات بما يسمى "محور الاعتدال" وفق صفقة القرن؛ إذ ستكون من المهام المنوطة بهذين الدولتين استكمال محاربة الثورات العربية بالثورات المضادة وإعادة رسم الولاءات والتحالفات في المنطقة، وضرب الإسلام السياسي ومنع أي تيار إسلامي من الوصول إلى السلطة وهذه النقطة على رأس أولويات صفقة القرن، ومن أسُسِها ضرب المنظومة الدينية ونشر ثقافة دينية جديدة تحت عنوان "الاعتدال" وتجرد الدين من أساسياته وضمان الولاء لولي الأمر، وتغريب حضاري شامل للمنطقة من خلال ضرب الثقافات المحلية.

1.خطوات تهيئة السعودية 

21 حزيران/يونيو 2017 اختير محمد بن سلمان ولياً للعهد عقب إعفاء ابن عمه ولي العهد محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وفي أيلول/سبتمبر 2017 شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات وملاحقات استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وغيرهم، بلغ عددهم أكثر من 70 شخصا آنذاك، ومنذ ذلك الحين استمرت السلطات السعودية بشن اعتقالات على رجال وعلماء الدين أبرزهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري  بينما اضطر بعضهم إلى الهرب خارج السعودية. 

هذه الحملة على رجال الدين جاءت عقب نحو عام من تأسيس  الهيئة العامة للترفيه إحدى المبادرات المنبثقة من رؤية السعودية 2030، والتي نظمت عدة حفلات موسيقية ومهرجانات  حضرها فنانون من مختلف أنحاء العالم كان آخرها مهرجات "موسم الرياض" الذي تزامن مع العدوان على غزة وطالته العديد من الانتقادات لما شهده من رقص وتعري وفقرات خالفت الشريعة الإسلامية وطبيعة الشعب السعودي الملتزم.

2.مشروع نيوم

عقب أقل من 3 أشهر من تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد أطلق مشروع "نيوم" في 24 تشرين الأول/أكتوبر من 2017، وهو مشروع عملاق لمدينة استثمارية تكنولوجية، إعلامية، ثقافية وسياحية، على مساحة 26 ألف و500  كيلو متر مربع، وتمتد على أراضي ثلاث دول، السعودية، مصر والأردن وتصل استثمارات المشروع إلى 500 مليار دولار، بهذا يكون مشروع نيوم قد حقق بمواصفاته المطابقة لمدينة صفقة القرن الاقتصادية والتي أهم أهدافها تذويب القضية الفلسطينية.

يؤمن صناع السياسة الإسرائيلية أن الحل يكمن بتذويب القضية الفلسطينية عبر تحالف عربي ثلاثي (مصر - الأردن - السعودية) وعبر "تبادل الأراضي"، هذه السياسية جعلت واشنطن تُسخر قوتها في الشرق الأوسط وهيمنتها على الدول لجعل التوطين والتذويب قضية عربية تحمل أعباءها مصر بأرضها (سيناء) والسعودية بمالها عبر مشروع نيوم والأردن باحتوائها اللاجئين والضفة الغربية غير أن السيناريو التي تسعى له "إسرائيل" يبدو بصورته الكاملة بوابة لتحقيق الأطماع الإسرائيلية بـ "أرض الميعاد" والتي وفق حدودها تضم الأردن بأكملها ومصر إلى نهر النيل وأجزاء كبير من السعودية.

رؤية "إسرائيل" تستدعي تخلي مصر عن مساحة 720 كيلومترا مربعا من سيناء إلى غزة مقابل إنشاء مدينة صناعية والتي تمثلت بمشروع نيوم الذي يمثل الإغراءات الاقتصادية لمصر مقابل التخلي عن أراضٍ من سيناء، والأردن مقابل كونفدرالية مع الضفة الغربية.

المدينة الاقتصادية التي ذكرتها الرؤية الإسرائيلية الأمريكية تستوعب مليونا من اللاجئين الفلسطينيين كما يمكنها أن تشكل منطقة تنمية طبيعية ليست للفلسطينيين فقط بل لمصر والأردن و"إسرائيل"، لكي تصبح مركزا اقتصاديا ومنطقة جاذبة وتفاعلية تربط قارة آسيا وقارة أفريقيا لكن يجب أن تكون مصر وفلسطين مستعدتين للتخلي عن أراضيهما ويقبل سكان غزة بالهجرة إلى سيناء "غزة الكبرى".

من المشاريع التي قدمتها "إسرائيل" لمصر والأردن كإغراءات هو سماحها بشق نفق بطول 10 كم من الشرق إلى الغرب يصل مصر بالأردن وتكون حركة النفق بين مصر والأردن ومصر والسعودية والعراق إضافة إلى إنشاء خط للسكك الحديدية وطريق بري دولي وأنبوب لنقل النفط تمر الوسائل الثلاث للنقل خلال الأردن ثم تتفرع بعدها إلى العراق والسعودية ودول الخليج.

هذه المشاريع الاقتصادية  وضعتها واشنطن لتمرير الصفقة إلا أنها في النهاية ربطت كل الاقتصاديات بـ "إسرائيل" فضمنت بذلك أن الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر دون تقديم أي مقابل من أي نوع.

فمن خلال قراءة الخطة الصهيونية وتفاعل مصر والأردن والسعودية نرى أن "إسرائيل" وضعت لكل من الدول الثلاث مهام ومطاليب لكن غيبت دورها بشكل كامل فلا يوجد أي تنازلات تقدمها "إسرائيل" بل أخذت دور الإشراف فقط على عمل الدول الثلاث، وبالعودة إلى السعودية فإن خضوعها للضغوطات الإسرائيلية يبين أن صراعها مع إيران وخاصة عقب الفشل أمام حركة الحوثي في اليمن التي تحدها من الجنوب، ووجود العراق المتخم بالفصائل المسلحة الموالية لإيران شمالا جعل السعودية تلجأ للتطبيع مع "إسرائيل" ولكن الثمن هو القضية الفلسطينية.

3.عواقب ومعرقلات الدور السعودي

سعي بن سلمان نحو أخذ دوره المحوري بصفقة القرن له عواقب وخيمة على السعودية التي تواجه تردد مصر والأردن وتخوفهما من نتائج الدخول بهذه الصفقة التي من الممكن أن تضع الحكومة المصرية بمواجهة شعبها مع كم من المشاكل الداخلية ووضع الأردن بمواجهة الشعب الفلسطيني الذي باتت قوته ومقاومته أقوى بمراحل من القوى الإسرائيلية، كما يعي ملك الأردن عبدالله الثاني أن مواجهة الشعب الفلسطيني ستجعله بمواجهة مباشرة مع شعب بلاده.

التخوف من معرقل الصفقة الأول حركة حماس بكتيبتها المسلحة كتائب الشهيد عز الدين القسام مع باقي فصائل المقاومة، كان العامل الأكبر لعدم إكمال اتفاقيات تذويب القضية الفلسطينية والتي تنص على تفتيت قطاع غزة وسلبها قوتها وهذا غير ممكن بوجود "القسام"؛ إذ تعلم "إسرائيل" أن فشلها بالقضاء على حماس بالعدوان الجاري الآن على القطاع سيجعل الصفقة غير قابلة للتنفيذ لمدى بعيد كما قد يدفع مصر والأردن إلى إعادة التفكير بأمر قبول الصفقة وحمل عبء غزة فبات التخوف من غزة أكبر من التخوف من إسرائيل، لذا رغم الخسائر الهائلة التي يتكبدها جيش الاحتلال يوميًا إلا أنه يصر على مواصلة الحرب بأمل إحداث إنجاز عسكري أمام القسام يجعل "إسرائيل" قادرة على المضي قدمًا بصفقة القرن.

كتائب عز الدين القسام وباقي فصائل المقاومة في السابع من أكتوبر وضعت "إسرائيل" والمتواطئين معها في صفقة القرن بمأزق لم يدخل بحسابات "صفقة ترامب للسلام" فظهور المقاومة بهذه القوة والشراسة قلب طاولة التطبيع وأثار الشعوب العربية، خاصة في ظل العجز الاقتصادي الذي ظهرت به حكومة "إسرائيل" والصراع السياسي الداخلي وضعف الجيش أمام المقاومة الفلسطينية التي ما زالت ورغم مرور أكثر من 3  أشهر توثق انتصاراتها وقدرتها على تدمير أكثر من ألف آلية وقتل جنود الاحتلال بحصيلة ترتفع يوميا.

المعرقل الآخر أمام السعودية اقتصادي فوضع صفقة القرن السعودية كراعٍ مالي للمخطط يتطلب مالاً لا تتحمله الخزينة السعودية؛ إذ إن تنفيذ صفقة القرن ومشروع نيوم الذي يتطلب وحده 500 مليار دولار فضلا عن متطلبات مالية أخرى في سيناء قد تشل الاقتصاد السعودي لفترة ليست بالقليلة.

على صعيد آخر، فإن قبول السعودية لمشروع صفقة القرن يعجل من التدمير الذاتي للمملكة السعودية بأرضها الحالية. المشروع الإسرائيلي الكبير "إسرائيل الكبرى" غير غائب عن السياسية الإسرائيلية وهو ما تثبته صفقة القرن ذاتها؛ إذ يحلم الإسرائيليون بالسيطرة على أرض سيناء من بوابة الاتفاقية بهدف توطين أهالي غزة واللاجئين بجزء من أرض سيناء. يعلم الصهاينة جيدًا أن من لم يكف عن المقاومة طوال 100 عام لن يكف عنها عند توطينه في سيناء، وهذا ما تطرق له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما تعالت الأصوات اليهودية المطالبة بإجلاء أهالي غزة إلى سيناء "لن نسمح أن تكون أرض سيناء منطلقًا لعمليات إرهابية ضد إسرائيل"، فالحكومة المصرية تعلم يقينًا أن انطلاق أي حجارة من أرض سيناء نحو اليهود ستعطي "الحق" لإسرائيل وبحماية دولية أمريكية وأوروبية "الدفاع عن وجودها" عبر الاجتياح البري.

وهو أمر مطابق لما قد يحدث في الكونفدرالية بين الضفة الغربية والأردن التي ستكون مسؤولة عن الأمن في الضفة الغربية، و تراهن "إسرائيل" على فشل الأردن في فرض السيطرة على الضفة الغربية ما قد يثير فوضى عارمة تشرعن تدخلها عسكريًا لحفظ الأمن وبالتالي تحقيق الخطوة الثانية من الامتداد نحو أرض الميعاد الواقعة بين النيل والفرات وتمتد إلى المدينة المنورة وخيبر وفي السعودية؛ إذ إن أرض السعودية ليست خارج الأطماع الصهيونية فهل من الممكن أن توافق السعودية على التخلي عن أرضها مستقبلا للصهيونية نتيجة لموافقتها على صفقة القرن للتخلص من التهديد الإيراني؟

 

 

أنظر أيضا 

  1. القضية الفلسطينية.. تفاعل صفقة القرن مع طوفان الأقصى
  2. القضية الفلسطينية..حقيقة السردية الدينية للحركة الصهيونية
  3. القضية الفلسطينية.. ما مصير الأردن في سيناريو صفقة القرن؟
  4. القضية الفلسطينية.. أهمية مصر ودورها في الأطماع الصهيونية

المصادر:

  1. بدائل إقليمية لحل الدولتين 2010 - جيورا إيلاند
  2.  إعادة التفكير بحل الدولتين 2008 - جيورا إيلاند 
  3. حل الدولتين الواقعي مركز بيجن والسادات للدراسات الاستراتيجية 
  4. عيوب في بدائل الجنرال آيلاند مركز بيجن والسادات للدراسات الاستراتيجية
  5.  صفقة القرن - إبراهيم حمامي 
  6. رصد خاص

اخترنا لك