2023-11-30 17:56:52

القضية الفلسطينية.. أهمية مصر ودورها في الأطماع الصهيونية

آمنة ملا جياد-شبكة الساعة

+ حجم الخط -

انتهى عهد الاتفاقيات الثنائية المعتادة وبدأ عصر الاتفاقيات متعددة الأطراف ذات الأسس الاقتصادية، هذه سياسة الحركة الصهيونية الحديثة في سعيها لتذويب القضية الفلسطينية برداء عربي ثلاثي (مصر، السعودية، الأردن)، فيرى الصف الأول من كتاب الخطوط العريضة للسياسة "الإسرائيلية"، أن "المشكلة الفلسطينية" مشكلة عربية بدرجة أساس وحلها لا يجب أن يقع على عاتق الصهيونية.

السياسة الإسرائيلية الأمريكية تطلب حلا عربيًا بشروط يضع حروفها ساستهم، ويشترط الحل المطروح أمام الدول العربية بكل أحواله وصيغة أنه لا دولة فلسطينية مستقلة مهما كان الثمن، بل تذويب هويتهم.

سيناء.. الحلم الإسرائيلي

يسعى اليهود منذ خمسينيات القرن الماضي لضم أرض سيناء المصرية، والتي تعتبر في ديانتهم أرضًا مقدسة ولأنه غالبًا ما أطلقت الصهيونية على الأراضي ذات المميزات الجغرافية والثروات التي تسعى لاحتلالها بأرض قدسية لهم، فيجب أن نتطرق لأهمية سيناء من الناحية الاقتصادية.

تقع سيناء غرب آسيا في الجزء الشمال الشرقي لمصر وهي الجزء الوحيد من مصر الذي يتبع قارة آسيا جغرافيًّا؛ إذ تعد حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 60 ألفا و88 كيلومتر مربع، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الغرب خليج السويس وقناة السويس ومن الشرق فلسطين وخليج العقبة ومن الجنوب البحر الأحمر. 

يحلم الإسرائيليون بالسيطرة على أرض سيناء من بوابة "اتفاقية السلام" بهدف توطين أهالي غزة واللاجئين بجزء من أرض سيناء. يعلم الصهاينة جيدًا أن من لم يكف عن المقاومة طوال 100 عام لن يكف عنها عند توطينه في سيناء، وهذا ما تطرق له عبد الفتاح السيسي عندما تعالت الأصوات اليهودية المطالبة بإجلاء أهالي غزة إلى سيناء "لن نسمح أن تكون أرض سيناء منطلقًا لعمليات إرهابية ضد إسرائيل"، فالحكومة المصرية تعلم يقينًا أن انطلاق أي حجارة من أرض سيناء نحو اليهود ستعطي "الحق" لإسرائيل وبحماية دولية أمريكية وأوروبية "الدفاع عن وجودها" عبر الاجتياح البري.

رغم تواطؤ السيسي مع إسرائيل إلا أن تسليم جزء من سيناء يعني وليس بالضرورة نهاية نظامه؛ إذ تقبع حكومة السيسي فوق منبع من الصراعات الداخلية التي لو سحب طرف إحداها ستتحول مصر لكتلة متداخلة من الصراعات المتعددة والتي سيكون أنهيار  السيسي  ونظامه أول نتاجاتها.

وُضع السيسي بين مطرقة التواطؤ مع اليهود وضغوط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسندان أهالي سيناء البدو المعروفين بصلابتهم والذين لن يتخلوا عن أرضهم؛ إذ يتطلب توطين سكان غزة البالغ عددهم مليونين و200 ألف تهجير نحو مليون مواطن مصري من بدو سيناء، يعطينا تفسيرًا لغلق معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية لسكان غزة فمن هذا الباب لمحت الحكومة المصرية إلى أي جانب تقف ولأي حل تولي أمورها فأصبح المنظور السياسي المصري للقضية الفلسطينية يرى أن مشكلة الشرق الأوسط الأساسية هي غزة وأهلها بذواتهم وليس الاحتلال الإسرائيلي.

ماذا تريد إسرائيل من مصر ؟

وفق معهد واشنطن فإن السياسة الأمريكية كانت تعتمد على رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، ليشرح لهم متطلبات إسرائيل الأمنية وعقب وفاته في 2007 بدأوا بالاعتماد على جيورا أيلاند، باعتباره كبير الاستراتيجيين الإسرائيليين.

لا يؤمن إيلاند بأن الحل يكمن بحل الدولتين بل بتذويب القضية عبر تحالف عربي ثلاثي وعبر "تبادل الأراضي"، هذه السياسية جعلت واشنطن تسخر قوتها في الشرق الأوسط وهيمنتها على هذه الدول لجعل التوطين والتذويب قضية عربية تحمل أعباءها مصر بأرضها والسعودية بمالها والأردن باحتوائها اللاجئين والضفة الغربية غير أن سيناريو ضم الضفة الغربية قد لا يختلف بخفاياه عن الأطماع الإسرائيلية لسيناء مع تبنى الصهيونية رواية "أرض الميعاد" والتي وفق حدودها تضم الأردن بأكملها.

رؤية أيلاند التي كتبها في ورقة "إعادة التفكير بحل الدولتين" في 2008 ثم طورها بورقة نشرت 2010 تحت عنوان "بدائل إقليمية لحل الدولتين"، أصبحت الأرضية العامة لـ "صفقة القرن"، وهذه الرؤية تطالب مصر بنقل مساحة 720 كيلومترا مربعا من سيناء إلى غزة.

مقابل هذه الأرض تستولي إسرائيل على مساحة 12% من الضفة الغربية والتي تعادل نحو 720 كم مربع، في حين تحصل مصر من إسرائيل على منطقة تبلغ مساحتها 720 كم مربع في جنوب غرب صحراء النقب ولكن بالنظر إلى جميع التعويضات الأخرى لمصر فقد تكون أصغر.

في إطار الإغراءات الاقتصادية التي يسوق لها الصهاينة، لخص أيلاند 7 منافع قد تحصل عليها مصر مقابل تخليها عن جزء من أرض سيناء.

أولى هذه الإغراءات أن مصر ستحصل على أرض مقابل الأرض رغم أن إيلاند أكد في مواضع عدة أن حكومته قد لا تمنح أرض مساوية بالمساحة. النقطة الثانية تقول أن مصر معزولة جغرافيا عن الجزء الرئيسي من الشرق الأوسط. فمن الشرق إلى الجنوب يحدها البحر الأحمر، ومن الشمال البحر الأبيض المتوسط، ولجعل الربط البري ممكنا، ستسمح إسرائيل بإقامة نفق يربط بين مصر والأردن يبلغ طوله 10 كيلومترات من الشرق إلى الغرب وسيكون تحت السيادة المصرية الكاملة. إضافة إلى مطار "غزة الكبرى" وميناء بحري على ساحل البحر الأبيض المتوسط  وخط سكة حديد، وطريق سريع، وخط أنابيب للنفط، تنشأ بأموال سعودية، أضف لما سبق مشاريع تحلية مياه واسعة النطاق.

كما ستتخلى إسرائيل عن بند في معاهدة "السلام الإسرائيلية المصرية" لعام 1979 وهو البند المتعلق بالقيود المفروضة على نشر قوات عسكرية مصرية في سيناء. فيكون الإعلان محليا "نحن نتخلى عن 1% من سيناء، لكن التنازل سيمكننا، من  فرض سيادتنا بشكل كامل على 99%من الأراضي".

رغم ما بدا من فوائد اقتصادية جمة إلا أن الاتفاقية محبوكة بطريقة تجعل الفوائد الاقتصادية تصب في النهاية داخل الخزينة الإسرائيلية دون تقديمها أي تنازلات بأي شكل كان، فالدور السعودي يأتي هنا لتحقيق جزء من هذه الغاية.

بالنهاية الخطة الإسرائيلية واستمرارها "قد" يؤدي إلى إخلاء شمال سيناء من السكان وبما أن وجود الدول مرتبط بوجود سكانها فهذا يعني خروج مصر تدريجيا من شمال سيناء، يقابل هذا صفقة تسليم مصر السعودية جزيرتي تيران وصنافير  والذي نوهت عليها مجلة "هآرتس" الإسرائيلية إن "مصر ستحصل على شريان حياة اقتصادي متميز مقابل أرض لا تملكها. لكن خط الإنقاذ هذا هو أيضاً حبل معقود يحول مصر إلى دولة تابعة للسعودية"، يضاف إلى ذلك وعود مصرية بتسليم شرم الشيخ إلى السعودية لإكمال مشروع نيوم، ما يعني إبعاد مصر عن مياه خليج العقبة وهذا خطوة مرحلية يتبعها انسحاب لغاية  الطور.

 

محاولات سابقة

مشروع جيورا إيلاند ليس الأول ولن يكون الأخير إذا لم ينجح، فالسعي الإسرائيلي لطرد الفلسطينيين إلى سيناء ممتد من سنة 1953 والذي عرف حينها بـ "مشروع جمال عبد الناصر لتوطين الفلسطينيين شمال سيناء" وهي اتفاقية توصلت إليها هيئة الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة، مع مصر تقدم بموجبها مصر مساحة 230 ألف فدان أي ما يعادل 966 كم مربع لمصلحة توطين اللاجئين، وقدمت الأونروا تقريرًا يفيد بأن عدد من سيُرحلون 12 ألفا و200 أسرة، إلا أن صعوبة التنفيذ وردة الفعل الفلسطينية أجبرت الحكومة المصرية على إصدار بيان بتاريخ 28 آيار/مايو 1953 أعلنت فيه تعليق البحث في المشروع.

وفي مطلع الستينيات عادة المحادثات الأمريكية مع عبد الناصر بشأن تعمير سيناء وتوطين الفلسطينيين، وفي 1967 استغلت إسرائيل موقفها في الحرب فطرح اللواء في جيش الاحتلال إيجال آلون، نهجا جديدا وهو التنصل عن المسؤولية واتهام الدول العربية بأنهم السبب وراء استمرار الأزمة، ودعا إلى توطين اللاجئين من سكان غزة في سيناء سواء قبلت مصر أم لم تقبل.

وفي 1971 أطلق أرئيل شارون والذي سيعين لاحقا رئيسًا لوزراء إسرائيل، مشروعه لتهجير سكان غزة إلى سيناء فقام بشق شوارع في المخيمات الرئيسة في القطاع لتسهيل مرور القوات ما أدى لهدم آلاف المنازل ونقل أصحابها إلى مخيم في الأراضي المصرية، وتبع هذه المشاريع مشروع جيورا إيلاند لتبادل الأراضي.

في كل المحاولات السابقة واجهت مصر حقيقة مفادها أن التخلي عن جزء من سيناء ليس بسهولة الخطط المكتوبة على الورق ولا بسهولة عقد الاتفاقيات فبغض النظر عن سكان سيناء البدو وصعوبة التعامل معهم وهذا ما دفع السيسي إلى إخلاء قرى من سيناء بحجة مواجهة الأرهاب بطريقة تدريجية إلا أنه ولو نجح فالأمر بحاجة لسنوات عدة مع عدم ضمان سكوت من تم تهجيرهم من أرضهم عقب عملية تبادل الأراضي فكل من تم تهجيرهم بانتظار العودة خاصة مع عجز الحكومة عن توفير أماكن بديلة، فبهذا السيناريو سيكون تضحية مصر  في عملية تبادل الأراضي أكبر بكثير من الإغراءات الاقتصادية التي ليست مضمونة أيضا فليس من المستبعد أن يجر الصراع على "سيناء" مصر إلى وضع مشابه للوضع السوري؛ إذ تمثل سيناء للشعب المصري بكل أطيافه وتوجهاته  بعدًا عربيًا قوميًا وطنيًا. الدماء المصرية التي روت أرض سيناء ستكون نقطة انقلاب على الحكومة التي تحمل على عاتقها قص جزء من سيناء ناهيك عن الرفض الشعبي الفلسطيني المدرع بفصائل مقاومة مسلحة.

 

أنظر أيضا 

  1. القضية الفلسطينية.. تفاعل صفقة القرن مع طوفان الأقصى
  2. القضية الفلسطينية..حقيقة السردية الدينية للحركة الصهيونية
  3. القضية الفلسطينية.. ما مصير الأردن في سيناريو صفقة القرن؟

المصادر

  1. بدائل إقليمية لحل الدولتين 2010 - جيورا إيلاند
  2.  إعادة التفكير بحل الدولتين 2008 - جيورا إيلاند 
  3.  مركز بيجن والسادات للدراسات الاستراتيجية
  4.  صحيفة هآرتس 
  5.  صفقة القرن - إبراهيم حمامي 

اخترنا لك