2023-11-09 04:25:01

في ذكراها الـ 19.. أمريكا تحذر الاحتلال الإسرائيلي من تكرار سيناريو الفلوجة في غزة

عامر العبدلله ـ شبكة الساعة

+ حجم الخط -

تعيد العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة ذات المشاهد والأسلوب والجرائم التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي للعراق في معركتي الفلوجة الأولى والثانية التي تمر ذكراها السنوية التاسعة عشر بالتزامن مع استمرار العدوان على غزة.

في مثل هذه الأيام وتحديدا في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2004، شنت القوات الأمريكية هجوما هو الأوسع والأعنف في تلك الحقبة على مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار العراقية، وهو ما عرف حينها بمعركة الفلوجة الثانية.

كان الهدف من الهجوم الأمريكي القضاء على المقاومة العراقية التي بدأت تتركز في المدينة عقب انتصار تاريخي على القوات الأمريكية بمعركة الفلوجة الأولى التي جرت في نيسان 2004.

ذات الأسلوب والهجوم يتكرر اليوم في مدينة غزة، حيث يشن الاحتلال الإسرائيلي هجوما هو الأوسع في الوقت الحالي، بهدف القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية المتمركزة في قطاع غزة، وذلك عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة في مستوطنات الاحتلال بمنطقة غلاف غزة وخلفت نحو 1500 قتيل "إسرائيلي".

ويتشابه هجوما الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي على الفلوجة وغزة بجملة أمور، منها الغرض المعلن وطريقة التحشيد والحصار المفروض وتطويق المدينتين والهجوم الوحشي عبر القصف الأعمى واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا ومن ثم الهجوم البري الواسع، مرورا بدعوات تهجير السكان وترحيلهم عن المدينة بذريعة الحفاظ على أرواحهم، وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في المعركتين.

كما يتشابه الهجومان من ناحية القيادة والتخطيط، فالحملة الإسرائيلية الأخيرة على غزة تشبه الحملة على الفلوجة من ناحية إدارة المعركة، فالقوات التي قاتلت وأدارت معركة الفلوجة هي ذاتها تشارك في إدارة معركة غزة وتقدم الاستشارة العسكرية للجانب الإسرائيلي بحسب ما أفادت مصادر أمريكية و"إسرائيلية"، فضلا عن النصائح المتكررة من الجنرالات الأمريكيين لحلفائهم الإسرائيليين بضرورة أخذ العبر والدروس من معركتهم ضد المقاومة العراقية في الفلوجة.

 

تشابه المعركتين

وتتوالى منذ أيام تحذيرات أميركية وإسرائيلية، من تكرار سيناريو معركة الفلوجة الأولى في إبريل/ نيسان 2004.

التخوف الأمريكي الواضح من شكل المعركة البرية في غزّة عبّر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي عبّر لنتنياهو أنه يريد أن يكون الغزو الإسرائيلي لغزة أقرب إلى ما حدث في الموصل عام 2016، وليس الفلوجة عام 2004.

اليوم الأربعاء، حذر القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية في العراق، جوزيف فوتيل، "إسرائيل" التي تشن هجومها البري على غزة، من حرب الأنفاق التي تستخدمها حركة حماس.

وكتب فوتيل، في مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست": أن "القوات الأمريكية واجهت أجهزة متفجرة مرتجلة في العراق، مما يعني أن الجماعات الشبيهة بحماس تدقق في نقاط ضعف الخصم وتسخّر التكنولوجيا والمواد المتاحة لتحقيق أهدافها ببراعة".

وتابع فوتيل: أن "الولايات المتحدة تعلمت في الفلوجة والموصل والرقة، أن استخدام التكنولوجيا قد يخفف من الأضرار على المدنيين لكنه لا يمنعها"، حاثاً الجيش "الإسرائيلي" على "التعامل مع هذا التحدي الكبير كي يستطيع الحفاظ على الدعم الدولي".

والأسبوع الماضي، نقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية، عن مسؤولين في واشنطن، تأكيدهم وصول الجنرال جيمس غلين، القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة في مشاة البحرية الأميركية، والتي شاركت بالهجوم على الفلوجة عام 2004، إلى تل أبيب، بطلب من الرئيس جو بايدن.

وجاء وصول غلين، بحسب المسؤولين، لمساعدة الجيش الإسرائيلي في التخطيط للهجوم على غزة، وتجنّب سيناريو معركة الفلوجة، وذلك قبل أن تفيد تسريبات أخرى بعودته إلى واشنطن.

في موازاة ذلك ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن مسؤولاً إسرائيلياً قال إن "الوزراء (الإسرائيليين) أشاروا مراراً وتكراراً إلى الفلوجة كمثال على نوع العملية التي يريدون أن ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة".

 

غزة والفلوجة مقارنة عسكرية

الباحث العراقي في مركز راسام للدراسات السياسية حاتم الفلاحي تحدث لشبكة "الساعة" عن أوجه التشابه والاختلاف في معركة الفلوجة عام 2004 والحرب الدائرة في غزة حاليا، قائلا: إن "مساحة غزة أكبر من الفلوجة بنحو 8 مرات مما يعطي إمكانية القتال فيها بالعمق أكثر، وهذا الاتساع خلق في غزة تعقيدات جغرافية من حيث البنايات العالية وإمكانية حفر الأنفاق، مما يجعل أي معركة مقبلة في غزة أشد ضراوةً من معركة الفلوجة".

ويشير الفلاحي إلى أن "المقاومة في الفلوجة تميّزت بقدرة كبيرة في حرب الشوارع والقتال بالمناطق المبنية، وعملت بمبدأ اللامركزية من خلال مجاميع منظمة، بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وتنقلت حسب تطور الموقف وضربت على شكل مراحل وبمواقع متعددة".

وتابع: "الأهم هو أن القوات الأميركية فشلت بتقدير القُدرات العسكرية للمقاومة العراقية في الفلوجة، بسبب قلة المعلومات الاستخبارية لدى القوات المحتلة آنذاك".

ويرى الفلاحي أن "حفر الخنادق، والتحصينات، وتقسيم المدينة لقواطع مسؤولية، ثم تقسيم القوات لمجاميع صغيرة لتجنب الخسائر البشرية الكبيرة بالضربات الجوية، والحركة السريعة، قد جرّت القوات الأميركية إلى منطقة قتال مُنتخبة في بداية حي الجولان (شمال غربي الفلوجة)، مما أجبرها على التحوّل إلى الدفاع ثم الانسحاب".

وتوقع الفلاحي، أن "قوات الاحتلال الإسرائيلية ستغرق في مستنقع قتل كبير في حال قررت التوغّل أكثر إلى داخل القطاع، حيث سيكبدها هذا التوغل خسائر تصل لأضعاف خسائر الأميركيين في الفلوجة".

 

معركة الفلوجة الأولى

وفي 4 نيسان 2004 بدأت معركة الفلوجة الأولى، وهي المعركة التي تكبّد فيها الجيش الأميركي خسائر بشرية ومادية كبيرة خلال مواجهة برية مع عناصر المقاومة العراقية آنذاك، فضلاً عن تسبُّب الحرب بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.

كانت شرارة المعركة هجوم المقاومة العراقية على عناصر من الاستخبارات الأمريكية ومقتل 4 منهم وسحل وتعليق جثثهم في مركز المدينة.

لم يمض أقل من 24 ساعة على مقتل الأمريكيين الأربعة، حتى حاصرت القوات الأمريكية الفلوجة من جميع الجهات، بهدف معلن هو تسليم الأشخاص المسؤولين عن الحادث، وبعد مناوشات محدودة بدأ الهجوم الأمريكي في الخامس من أبريل/ نيسان بقصف مدفعي وجوي من المروحيات قبل أن تتقدم الدبابات من الجهة الشرقية للمدينة حيث مدخلها الاعتيادي، وبدا لأول وهلة أن مهمة مشاة البحرية لن تكون صعبة في السيطرة على المدينة خلال ساعات أو أيام، وذلك قبل أن يواجه المهاجمون مقاومة شرسة، أعطت المعركة بُعداً مختلفاً، ووضعت الأمريكيين في خضم حرب حقيقية لم يحسبوا لها حساباً.

وفشلت القوات الأمريكية على مدار نحو 4 أسابيع من دخول الفلوجة ما أرغمها على عقد اتفاق مع المقاومة العراقية لوقف القتال وفرضت فيه المقاومة عدم دخول القوات الأمريكية إلى مدينة الفلوجة لتكون الهزيمة الأولى والأقسى التي يتعرض لها الجيش الأمريكي منذ حرب فيتنام.

 

معركة الفلوجة الثانية

بدأت معركة الفلوجة الثانية بحصارٍ أمريكي خانقٍ على المدينة لمنع خروج المقاتلين منها، مع ذلك تم السماح بنزوح أكثر من 300 ألف مدني من الفلوجة، ليتسنى للجيش الأمريكي الهجوم بدون ضغوطٍ على المسلحين بداخلها، ثم شرعت الطائرات الأمريكية في قصف المدينة بقصف مكثف وغارات غير مسبوقة وأسلحة محرمة دولياً خلال أيام المعركة.

وقبل أن تشرع قوات التحالف في هجومها البري في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، اعتمدت التضليل والإشارة إلى أن هجوم التحالف سيأتي من الجنوب والجنوب الشرقي كما حدث في معركة الفلوجة الأولى في شهر أبريل/ نيسان. وبدلاً من ذلك، قامت قوات التحالف بالهجوم على المدينة من الشمال عبر كامل عرضها.

كان القتال بالنسبة للجيش الأمريكي وقوات التحالف في المناطق الحضرية عنيفاً، فقد كانت مواقع القناصة المخفية والأفخاخ المتفجرة تشكل خطراً شديداً على الجنود الأمريكيين.

اضطر الجيش الأمريكي خلال المعركة إلى القتال من منزلٍ لآخر، وذلك من خلال إحداث ثقوب في جدران المنازل خوفاً من المخاطرة باحتمال تفخيخ الأبواب.

 وبعد عدة أيام من القتال في الشوارع، تم تأمين وسط المدينة، لكن جيوب المقاومة استمرت لعدة أسابيع، مع مقتل آلاف المدنيين بسبب عشوائية القصف الأمريكي. 

اعترفت قوات التحالف في النهاية بمقتل حوالي 110 من عناصرها وجُرح حوالي 600 آخرين، بينما قُتل أو أُسر حوالي 3 آلاف عنصر من المقاومة العراقية.

يقول الصحفي حسين دلي الذي كان آخر الصحفيين الذين خرجوا من مدينة الفلوجة عقب معركة الفلوجة الثانية: إن" المعركة الثانية وقعت في شهر نوفمبر تشرين الثاني بعد 7 أشهر على معركة الفلوجة الأولى، وخلال السبعة الأشهر بين المعركتين حاصرت القوات الأمريكية المدينة وفرضت عليها طوقا مشددا ومارست القصف على مواقع عديدة بحجة استهداف المسلحين".

وأضاف أن "الهجوم البري الثاني شهد قطعا للاتصالات والكهرباء وكان الهجوم شديدا وكاسحا بمشاركة 20 ألف جندي نصفهم من الأمريكيين والنصف الثاني من القوات العراقية الحكومية".

ونقل دلي في شهادته التي عاينها من خلال وجوده بالمدينة مشاهد القصف الوحشي الذي كان مدمرا وخلف أعداد كبيرة من القتلى المدنيين، مبينا أن "القوات الأمريكية استخدمت تقنيات عسكرية لم تنفع معها التحصينات التي جهزها المقاتلون في الفلوجة للدفاع عن المدينة".

وأكد دلي أن "معركة الفلوجة كانت تشبه إلى درجة كبيرة ما يجري اليوم في غزة، فالهجوم على غزة سبقه تطويق للمدينة وفرض حصار عليها ثم بدأ القصف العنيف وأخيرا بدأ الهجوم البري وهو ما حصل في مدينة الفلوجة".

وأوضح أن "مشاهد قصف غزة تشبه إلى نحو كبير القصف الذي استهدف الفلوجة، إلا أن قصف الاحتلال الإسرائيلي بدأ يتصاعد بعد الأسبوع الأول وبات أكثر وحشية مما جرى في الفلوجة".

وأوضح أن التحذيرات الأمريكية من تكرار سيناريو الفلوجة والنصائح المقدمة لـ "إسرائيل" باعتماد سيناريو الموصل عام 2016 يكشف النوايا عن استخدام الأرض المحروقة في المعركة، وتدمير كل شيء قبل الاقتحام البري كما حصل فعلا في مدينة الموصل التي دمرت بشكل كامل وقتل فيها أكثر من 40 ألف مدني جراء القصف الشديد.

وتخليداً لهذه المعركة، قامت البحرية الأمريكية بإطلاق اسم "الفلوجة" على إحدى سفنها الهجومية البرمائية، وذلك بعد أن لقيت في المدينة العراقية مقاومةً تاريخية. 

كما تتشابه معركة غزة والفلوجة باستخدام المهاجمين للأسلحة المحرمة دوليا والمتمثلة بالفسفور الأبيض.

فقد أظهرت الأدلة أن الولايات المتحدة أسقطت كميات هائلة من الفسفور الأبيض على مدينة الفلوجة أثناء الهجوم على المدينة في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، مما أدى إلى مقتل عناصر المقاومة والمدنيين بحروق مروعة وهي السمة المميزة لهذا السلاح.

بالمقابل أثبت النقل الحي للقصف الإسرائيلي على غزة وتأكيدات المنظمات الدولية استخدام الاحتلال لأسلحة الفسفور الأبيض في القصف على الأهداف المدنية في القطاع.

اخترنا لك