2023-11-12 03:59:28

العراق.. كيف تستغل موارد ومقدرات الدولة في الدعاية الانتخابية؟

سيف العبيدي ـ شبكة الساعة

+ حجم الخط -

مع اقتراب موعد أي من الانتخابات في العراق محلية كانت أو برلمانية تتصاعد التحذيرات من استغلال موارد الدولة وأموالها وسلاحها لتحقيق المقاصد الانتخابية، وهو ما يخالف القوانين المتعمدة في البلاد.

وتنص ضوابط وتعليمات مفوضية الانتخابات على منع استغلال أبنية الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، وأماكن العبادة، لأي دعاية أو أنشطة انتخابية للمرشحين والأحزاب والتحالفات، ويُحظر استعمال شعار الدولة الرسمي في الاجتماعات والإعلانات والنشرات الانتخابية والكتابات والرسوم التي تُستخدم في الحملة الانتخابية.

كما يحظر الإنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام، أو من موازنة الوزارات، أو من أموال الأوقاف الدينية، أو من أموال الدعم الخارجي، ويُحظر ممارسة أي شكل من أشكال الضغط، أو الإكراه، أو منح مكاسب مادية، أو معنوية أو الوعد بها، بقصد التأثير على الناخبين ونتائج الانتخابات.

ويجري استغلال الدولة في الأغراض الانتخابية من خلال قيام مسؤولين كبار في الدولة العراقية بينهم وزراء ووكلاء وزراء ومحافظين ونواب باستخدام أموال الدولة وآلياتها وملف التعيينات وقطع الأراضي وملفات التعويضات وحتى الرعاية الاجتماعية لصالح تحالفات حزبية يرعاها هؤلاء المسؤولين المتنفذين من أجل ضمان فوزهم في الانتخابات.

وتحولت المخاوف من استغلال الدولة من قبل المتنفذين وبعض الجهات الحزبية إلى شعار تطلقه جميع الجهات السياسية بعد أن كان مطلبا شعبيا وضرورة وطنية لضمان نزاهة الانتخابات.

فالكتل السياسية ومن خلال خطاباتها ومؤتمراتها الانتخابية تؤكد على محاربة الفساد المالي والإداري ومنع استغلال الدولة وأموالها والوظائف الرسمية في الأغراض الانتخابية، وهي شعارات بات مثار شكوك المواطن العراقي الذي يطرح علامات استفهام عن الجهات التي تسببت بهدر الأموال وتسييس الدولة لصالحها فيما شعارات جميع الأحزاب تتبرأ من ذلك.

 

إقرار حكومي

اللافت في هذا الموضوع، أن أعلى سلطة في الدولة متيقنة بوجود حالات استغلال للمناصب الحكومية لتحقيق مكاسب حزبية وانتخابية، وهو ما كشفت عنه وثيقة صادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء مؤخرا، أوضحت فيها استخدام جهات سياسية لنفوذها في دوائر الدولة الرسمية لتحقيق مكاسب انتخابية.

الوثيقة الصادرة عن الهيئة العامة للتنسيق بين المحافظات التابعة لرئاسة الوزراء أكدت قيام مرشحين للانتخابات المحلية ممن يشغلون مناصب رسمية في الدولة باستغلال مواقعهم وموارد الدولة في الانتخابات المحلية المقبلة المقرر إجراؤها في الثامن عشر من كانون أول المقبل.

وبذات الوثيقة يوصي المنسق العام لشؤون المحافظات أحمد الفتلاوي بتأجيل توزيع قطع الأراضي وإعلان الدرجات الوظيفية من العقود التشغيلية إلى ما بعد الانتخابات المحلية لمنع استغلالها في الدعاية الانتخابية.

 

الحكومة تتحمل المسؤولية

عضو مجلس النواب فلاح الهلالي أكد وجود حالات استغلال للدولة ومواردها من قبل جهات سياسية وكبار المسؤولين في الدولة، مبينا أن "حالات تسخير الدولة لصالح الأحزاب كانت واضحة في الفترات السابقة وهي مستمرة لغاية اليوم".

وقال الهلالي في تصريح لشبكة "الساعة" إن "موضوع استغلال الدولة في الكسب الانتخابي من قبل بعض الجهات المتنفذة في الوقت الحالي يتحمل مسؤوليته رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وذلك لعدم اتخاذه أي قرارات بسحب يد الوزراء والمدراء العامين والمسؤولين المرشحين للانتخابات أو الداعمين لبعض المرشحين بشكل مباشر".

وأضاف الهلالي وهو نائب عن حركة امتداد: أن "نواب حركة امتداد قدموا طلبا لوضع حد لاستغلال نفوذ الدولة في الانتخابات، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض من الأمانة العامة لمجلس الوزراء".

وأكد النائب أن "هناك معلومات تؤكد قيام بعض المحافظين والمسؤولين باستغلال ملفات التعيينات ودرجات العقود وغيرها من الأمور لتحقيق مكاسب في الانتخابات رغم أن تلك التعيينات هي استحقاق قانوني ودستوري".

 

استغلال سلاح الدولة

ومع صعود نجم الفصائل المسلحة في العراق وتحولها إلى قوة سياسية تسيطر على البرلمان والحكومة، زادت عمليات استخدام سلاح الدولة "سلاح الحشد الشعبي" في عمليات الكسب الانتخابي.

مصادر محلية في محافظة نينوى شمالي العراق كشفت عن قيام فصيل تابع للحشد الشعبي بجمع بطاقات الناخبين من إحدى المناطق شرق الموصل بذريعة التدقيق الأمني.

وقالت المصادر إن "اللواء 30 أو ما يعرف بحشد الشبك قام بجمع كل بطاقات الناخبين من منتسبيه وهددتهم بالفصل في حال عدم الامتثال"، وأوضحت أن "قيادة اللواء أمرت أيضا بجمع بطاقات الناخبين من أهالي منطقة كوكجلي شرقي الموصل بحجة التدقيق الأمني"، مبينة أن "الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة علمت بذلك لكنها لم تتدخل".

ولا يقف تأثير تسخير امكانيات الدولة على ضمان بقاء الأحزاب المتنفذة في السلطة، بل يتعدى إلى وأد أي محاولة للتغيير السياسي عبر الأحزاب والكتل الناشئة التي لا تعمل تحت مظلمة الأحزاب الماسكة للسلطة.

 

تقويض عملية التغيير

الناشط السياسي كتاب الميزان يرى أن استغلال موارد الدولة وتسخيرها لصالح شخصيات متنفذة ولأحزاب محددة مستمر منذ سنوات ولغاية اليوم، وأشار في حديث لشبكة "الساعة" إلى أن استغلال الدولة سياسيا هو السمة البارزة في كل انتخابات.

وقال الميزان: إن "الاستخدام غير المشروع لمقدرات الدولة من الأحزاب والمسؤولين يترك الأثر الواضح في التأثير على إرادة الناخبين ونزاهة العملية الانتخابية، وبالتالي فذلك يقوض أي محاولات لإصلاح الأوضاع عبر مشاركة الكتل السياسية الجديدة".

وأضاف: أن "دخول مقدرات الدولة في الدعاية الانتخابية ووجود شخصيات ومسؤولين كبار في الدولة يستغلون ذلك عبر تقديم مرشحين من أبنائهم وإخوانهم وأزواجهم وأقاربهم في الانتخابات المحلية يمثل استغلالا واضحا لموارد الدولة".

وأشار إلى أن "سلاح الدولة هو الآخر بات أداة للاستغلال السياسي، حيث أن بعض  الجهات تستخدم سلاح الدولة للتأثير على إدارة الناخبين وإجبارهم على التصويت لمرشحين محددين"، لافتا إلى أن "ذلك كله يقضي على فرص التكافؤ في المنافسة بين الأحزاب التي تسعى للمشاركة والتغيير وبين الأحزاب والجهات التي تمتلك مقدرات وامكانيات الدولة وتسخرها لصالحها".

 

عقوبات غير رادعة

ومن الناحية القانونية، فإن استغلال الدولة لمصالح حزبية وانتخابية تعد مخالفة يحاسب عليها القانون العراقي النافذ، ولكن تلك المحاسبات عادة ما تكون غير مفعلة وإن تم تفعليها فهي غير رادعة.

الخبير في الشأن القانوني علي التميمي أكد في حديث لشبكة "الساعة" أن "قانون الانتخابات الجديد رقم 4 لسنة  2023 عالج ملف الدعاية الانتخابية ابتداء من المادة 24 إلى المادة 34 بتفاصيل وشروط، منها أن يحدد موعدها بقرار من المفوضية وأماكن الدعاية وعدم استغلال موارد الدولة وأبنيتها، ومنع إعطاء الهدايا، وينتهي موعدها قبل 24 ساعة من الانتخابات.

وقال التميمي: إن "المواد أعلاه في قانون الانتخابات منعت استخدام موارد الدولة أو دور العبادة في الدعاية الانتخابية أو موارد الوزارات أو موارد الموازنة"، مبينا أن "المواد حددت عقوبة على المخالف لتلك المواد".

وأضاف التميمي: أن "المواد 41 إلى 42 من القانون أعلاه أوقعت عقوبات جسدية وغرامات تراوحت بين الحبس لمدة تصل إلى سنة وغرامات تبدأ من 500 ألف دينار وتصل إلى 50 مليون دينار عراقي كحد أعلى"، لافتا إلى أن "تلك العقوبة تطال الكيانات السياسية والأفراد أيضا وتصل إلى استبعاد المرشحين عن طريق مجلس المفوضين".

وشدد التميمي على أن "هذه العقوبات وخصوصا الغرامات تحتاج إلى أن تفعل حتى تكون الدعاية الانتخابية مسيطر عليها، وتحقق أهداف العقوبة الجنائية وهي الردع وتحقيق العدالة الاجتماعية"، حسب تعبيره.

وعلى الرغم من إعلان مفوضية الانتخابات تشديد رقابتها على الحملة الانتخابية إلا أن تلك الرقابة تشمل على ما يبدو الدعاية الانتخابية العلنية ولا تقترب من الدعاية التي تعتمد عليها الكتل الكبيرة في تحقيق الكسب الانتخابي.

اخترنا لك