2023-11-30 17:36:12
آمنة ملا جياد-شبكة الساعة
انبثق الصراع والقضية الأهم في العصر الحديث من كتاب تحت عنوان "الدولة اليهودية" لناشط سياسي يهودي لقب بـ "الأب الروحي للصهيونية"، تيودور هيرتزل، ليضع الأسس لأطماعٍ بتأسيس بلد لليهود، تبنتها بريطانيا بدعم حزمة من دول الغرب على رأسها أمريكا لتكون "إسرائيل" نتيجة التغيير الديمغرافي الذي فرضته الدول المنتصرة بالحرب العالمية الثانية على منطقة الشرق الأوسط.
بدأ هيرتزل مشروعه الاحلالي العنصري مطلع القرن العشرين فكانت فلسطين في قلب المخطط المنفتح على خيارات أخرى لتحتل شمال سيناء المصرية مركزًا مهما في مخططات مؤسس الصهيونية، هذا ما أكدته مذكرات وزير الخارجية البريطانية الماركز لانستون، بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 1902، كشف فيها مضمون رسالة "هيرتزل" إلى بريطانيا؛ إذ طالب بمنحه امتيازا باستيطان سيناء، فشلُ مخطط "هيرتزل"، الخاص بالأرض المصرية تلافته بريطانيا بتوطين اليهود بأرض فلسطين سنة 1948.
أفكار هيرتزل منحت الغرب مطرقة لضرب قلب الشرق الأوسط والوطن العربي اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، الدفاع عن "إسرائيل" غير مشروط بالنسبة للبيت الأبيض؛ إذ تحمل السياسية الأمريكية ورئيسها الحالي جو بايدن معتقدا أن تأسيس دولة لليهود في الشرق الأوسط هو الاستثمار الأهم في تاريخ أمريكا فكرر بخطابات عدة مقولة "لو لم تكن إسرائيل موجودة لعملنا على إقامتها".
خلق الكيان الصهيوني وتوسعته بعمق الشرق الأوسط بدأ يترنح منذ عقد من الزمن فضربت الصراعات السياسية والاقتصاد المنهار المنظومة العسكرية الأهم في بقاء "إسرائيل" ثم كشف "طوفان الأقصى" (هجوم بري وبحري وجوي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية فجر 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023)، صورة الانهيار الإسرائيلي وأبعاده ليستنفر الغرب وأمريكا للدفاع عن عمقها الاستراتيجي بالشرق الأوسط والدفع نحو تنفيذ "صفقة القرن" بسرعة تماشيا من الأحداث، فتطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل المنطقة في أول مؤتمر له عقب عملية "طوفان الأقصى".
صفقة القرن: خطة تهدف بظاهرها إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أعدها رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترامب، وأعلن عنها من البحرين سنة 2019، تشمل الخطة إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، إلا أن هذه الجملة الفضفاضة حملت في تفاصيلها مضامين أوسع شملت الوطن العربي بأكمله.
إنهاء القضية الفلسطينية وفرض حل ولو بالإكراه هو الهدف الأول والمباشر لتحقيق باقي الجوانب وفي هذا الشأن طرحت الصفقة عدة أفكار جميعها تنتهي بـ "لا دولة فلسطينية ذات سيادة"، فكان الحديث عن كونفدرالية مع الأردن، دولة مؤقتة في غزة مع انضمام الضفة الغربية عقب استقطاع المستعمرات الكبيرة منها، يتلوها إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين باعتبار صفة لاجئ لا تورث، مع إجهاض الربيع العربي إضافة إلى التطبيع العربي بشكل كامل وعلني مع الاحتلال الإسرائيلي.
تأتي هنا مرحلة تنصيب "إسرائيل" زعيمة على المنطقة العربية بعد تقسيم دول المنطقة وتفتيتها لدول أصغر على أسس دينية أو عرقية أو طائفية أو قبلية أو مناطقية، مع دخولها بحلف وشراكة مع باقي الدول وخاصة الإمارات ومصر والسعودية وإعادة تشكيل المنطقة بما يمنع أي ثورات على الحكام فيها، أو ضد "إسرائيل" ما يعني إعادة تأهيل الأنظمة السابقة في سوريا بشار الأسد وفي مصر عبد الفتاح السيسي وتنصيب زعامات موالية في باقي الدول العربية تسير مع التحالف العربي الإسرائيلي.
أما في الجانب الديني فضرب الإسلام السياسي ومنع أي تيار إسلامي من الوصول إلى السلطة على رأس أولويات صفقة القرن، ومن أسُسِها ضرب المنظومة الدينية ونشر ثقافة دينية جديدة تحت عنوان "الاعتدال" وتجرد الدين من أساسياته وضمان الولاء لولي الأمر، وتغريب حضاري شامل للمنطقة من خلال ضرب الثقافات المحلية.
اقتصاديا وضعت واشنطن حزما اقتصادية عالية تحاول من خلالها تمرير الصفقة إلأ أنها في النهاية ربطت كل الاقتصاديات بـ "إسرائيل" فضمنت بذلك أن الكيان الصهيوني المستفيد الأكبر دون تقديم أي مقابل من أي نوع.
تسعى واشنطن والكيان الصهيوني للتمهيد لصفقة القرن عبر ثلاث مراحل أولها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تأتي بمقدمتها إنهاء أو تقزيم حركة حماس في قطاع غزة من خلال ضغط معيشي متواصل يؤدي لقبولها بأي اتفاق يضمن استمرار الحياة يشمل وقف العمل بالأنفاق ووقف تطوير قدراتها العسكرية، ثم تضم إسرائيل الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، أما القدس فتزال تمامًا من ملف التسوية باعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل وخلق قدس جديدة في مناطق الطور والعيساوية وأبو ديس وسلوان للدولة الفلسطينية المؤقتة تليها ضم الضفة الغربية لهذه الدولة.
المرحلة الثانية هي عربية-إسرائيلية-فلسطينية وأبرز انطلاقة لها هي إلغاء صفة لاجئ عن الفلسطينيين تمامًا وتذويبهم وهويتهم في أماكن إقامتهم مع فتح باب الهجرة نحو كندا وأستراليا، مع تكوين كونفدرالية مع الأردن مركزا لعودة اللاجئين ثم توسعة غزة بضم أجزاء من سيناء المصرية بشرط بقاء السيطرة الأمنية للدولة الجديدة بيد الاحتلال الإسرائيلي. يدفع ثمن التسوية المادية من خزائن الدول العربية الخليجية، مع ضرورة تفتيت الدول المحيطة بـ "إسرائيل"، إلى دويلات صغيرة.
المرحلة الثالثة تنبثق أسسها من التطبيع العربي-الإسرائيلي والتي تعتمد على تنفيذ المرحلة الثانية وتشمل إعادة ترتيب المنطقة وتثبيت الأنظمة القمعية.
2006 تموز/يوليو ومن قلب تل أبيب ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها كوندليزا رايس عبارة "الشرق الأوسط الجديد" والفوضى الخلاقة"، في ذات الشهر كشف الخبير الاستراتيجي الأمريكي رالف بيترز خارطة الشرق الأوسط الجديد على أساس عرقي وطائفي وقومي تحت عنوان "حدود الدم"، نشرت في العدد السادس من المجلة العسكرية الأمريكية.
ادعى البنتاغون الأمريكي أن الخارطة لا تعكس وجهة نظره إلا أنه في إيلول/سبتمبر 2007 بادر مجلس الشيوخ الأمريكي بإصدار قرار غير ملزم يطالب الإدارة الأمريكية بتقسيم العراق لثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية.
2011 قلب الربيع العربي الموازين وخلط الأوراق، لتكشف صحيفة نيويورك تايمز خريطة جديدة "للشرق الأوسط الجديد"، قسمت بها 5 دول عربية إلى 14 دولة وأكدت أنها حصلت عليها من خبراء ومؤرخين مختصين بتاريخ كانون الأول/ديسمبر 2013.
2017 كشف عن خارطة جديدة للشرق الأوسط وفق تقسيم اليهودي برنارد لويس أستاذ متخصص بدراسة الإسلام والشرق الأوسط بجامعة برنستون الأمريكية.
من بين الحلول المطروحة لتصفية القضية الفلسطينية، كونفدرالية مع الأردن إي مملكة أردنية مكونة من ثلاث ولايات وهي الضفة الغربية والضفة الشرقية وغزة، في المجمل توسع الأردن يوسع مصالحها بجانب أن تأسيس دولة فلسطينية من الضفة الغربية وغزة قد يؤول إلى تمسك حركة حماس بزمام السلطة، ووجود دولة مجاورة للأردن بيد الحركة الإسلامية الخيار الأكثر خطورة بالنسبة للعائلة المالكة، غير أن ضم هذه الدولة للأردن قد يحول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني-أردني، بيد أن تقسيم القضية الفلسطينية بين دولتي (الأردن وإسرائيل) سيخفف العبء على المجتمع الدولي بخلاف أعباء حل الدولتين وتأتي أيضا في إطار فكرة أسناد مهمة تصفية القضية الفلسطينية إلى العرب.
في مصر لا يختلف الحال عن الأردن، فسيناء في قلب مخطط تصفية القضية الفلسطينية؛ إذ تدور الفكرة حول تخلي مصر عن حوالي 720 كم مربع من أراضي سيناء لتوسعة غزة بعد أن تضم إسرائيل أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وعلى صعيد الإغراءات الاقتصادية فإن توسعة مساحة غزة ستعطي مساحة لبناء مدينة صناعية توفر فرص عمل لثلثي سكان غزة وثلث سكان سيناء فضلا عن بناء مطار دولي وميناء أقصى الغرب وبناء مدينة تضم حوالي مليون فلسطيني وما يوسع المجال أمام عودة اللاجئين.
دور مصر لا يقتصر على أرض سيناء بعد استغناء عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي صنافير وتيران لصالح السعودية، ما يهدد السيطرة المصرية على مضيق تيران ويفتح الباب أمام الهيمنة الإسرائيلية، حصول محمد بن سلمان على الجزيرتين بعد الضغوط التي مارسها على مصر منها حادثة عدم قبوله النزول من طائرته التي حطت في القاهرة إلا في حال قبول السيسي بتسليم أو بيع الجزيرتين لبلاده رافقها توقيع البلدين 23 اتفاقية لم يكشف عن تفاصيل الاتفاقيات إلا أن عناوينها تماشت مع مراحل عملية تبادل الأراضي، فإنشاء منطقة حرة جنوب سيناء وإقامة ميناء بحري فضلا عن مطار داخل ما يسمى أرض غزة الكبرى وتعبيد الطرق إضافة إلى شق نفق تحت أراضي فلسطين المحتلة لربط دول الخليج بالبحر الأبيض المتوسط كلها تأخذنا لبنود ومراحل صفقة القرن.
تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، قلب موازين الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وأظهر هشاشة جيش الدفاع الصهيوني، كما فتح الباب على مصراعيه للخلافات والتصفيات السياسية بين طبقة "إسرائيل" الحاكمة. عدد لا يتجاوز المئات من عناصر المقاومة اخترق المستوطنات اليهودية وأسقط أكثر من 22 مستوطنة فضلا عن أسر نحو 250 أسيرا غالبهم عسكريون، الاقتحام دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لشن حملة قصف على مدنيي غزة بطائرات متطورة.
الاقتحام الفلسطيني استدعى استنفار دول الغرب للوقوف بجانب "إسرائيل"، فتوالت الخطابات والزيارات لتل أبيب من زعماء فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بينما أكد جو بايدن، أن دعم واشنطن لـ "إسرائيل" غير مشروط، ليصل الدعم بالبوارج وناقلات الطائرات الحربية والمدرعات لمساندة نتنياهو بالعملية العسكرية على غزة.
أيقنت "إسرائيل" أن مخططات قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر مهددة بعدم التنفيذ ولتدارك الموقف تعالت الأصوات السياسية من داخل تل أبيب بإجلاء سكان غزة إلى أرض سيناء المصرية وفتح مخيمات لهم، إلا أن الاقتراح واجه موجة غضب ورفض فلسطينية وعربية شعبية. الرئيس المصري، قدم اقتراحه بإجلائهم إلى صحراء النقب بدلا من سيناء.
أعلن الغرب وإسرائيل تسخير كافة الإمكانيات لقصف غزة و الاقتحام البري الذي فشل بمناسبات عدة، بهدف إنهاء حركة حماس وذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام.
استمرار الحرب ومشاركة دول الغرب قد يجر منطقة الشرق الأوسط لحرب إقليمية. امتلاك القسام حلفاء إقليميين (إيران) يرتبطون بدورهم بحلفاء دوليين (الصين، روسيا) تضر السياسات الأمريكية تجاه "إسرائيل" بمصالحهم في الشرق الأوسط، فحفظ المصالح قد يستدعي الزج بأذرع إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
وزير الخارجية الإيراني، أكد للولايات المتحدة أن بلاده لن تتدخل بالحرب، مقابل الحفاظ على مصالحها في المنطقة، إلا أن أذرع إيران بدأت في الأيام القليلة الماضية مناوشات خجولة ضد جيش الدفاع الإسرائيلي إلا أن تأثيرها لم يأتِ بأضرار تؤثر على سير عمليات جيش الاحتلال على غزة.
الهدنة هي سيناريو آخر يسعى له بعض الأطراف إلا أن "إسرائيل" والدول الداعمة لها ترفضه؛ بحجة أن الهدنة إنتصار لحركة حماس خاصة في ظل عدد الأسرى الكبير بيد القسام، والذي استعمله الأخير بحرب إعلامية ألبت المستوطنين على نتنياهو وزاد التوترات داخل تل أبيب.
المنطق السياسي والدولي والإقليمي، منطق المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يجعل القضية الفلسطينية تدور في فلك مصالح دول العالم على رأسها أمريكا ودول الغرب وإيران وروسيا والصين، نستبعد من هذه الدول، الدول العربية، التفاعل السياسي والأمني في المنطقة يبعد العرب بشكل عام عن دائرة القرار السياسي في الشرق الأوسط، فإيران وحلفاؤها الدوليون الروس والصينيون يعتمد حفظ مصالحهم في الشرق الأوسط على الأذرع المسلحة في أغلب دول الشرق الأوسط، فامتثلت الفصائل المسلحة في عدة دول لمصالح لإيران (حليفة روسيا والصين) التي تطمح لامتلاك السلاح النووي وتنصيبها زعيمة على الشرق الأوسط، هذا الطموح يتضارب مع مصالح أمريكا التي تسعى لحفظ أمن "إسرائيل" وتثبيت تواجدها بعمق الشرق الأوسط عن طريق "صفقة القرن" المعتمدة على تعاون الدول العربية وتطبيعها، أبرزها الإمارات والسعودية ومصر رغم أن أسس التمهيد لها يتلخص بنقاط من أبرزها ضرب الإسلام السياسي وتغريب المجتمعات العربية وترويج لما يسمى بالإسلام "المعتدل" أي تجريد الدين من أساسياته وضمان الطاعة لولي الأمر، وإعادة تأهيل وتثبيت الحكومات القمعية، بيد أن حفظ أمن "إسرائيل" وفق صفقة القرن وخطط بن غوريون رئيس الوزراء الأول لدولة الاحتلال يعتمد على تفتيت الدول العربية القريبة من الاحتلال إلى دويلات صغيرة متناحرة طائفيًا وعرقيًا، بالنهاية التعقيد السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي الدائر حول القضية الفلسطينية، يجعل التفاعل معها يُلزم الشعوب العربية بدراية خطط القطبيين العالميين (الصين وحليفتها روسيا وأمريكا وحلفائها) بشأن الشرق الأوسط وقضيته الأبرز، فلسطين.
أنظر أيضا
: كلمات مفتاحية
2023-12-04 23:31:35
محمد الحلبوسي بعد إقالته يفضح السياسيين
2023-12-01 17:29:10
سيطرات والحواجز الأمنية في العراق لقتل الناس أم لبسط الأمان؟
2023-12-01 17:22:51
الخطاب الطائفي يتصدر المشهد الانتخابي العراقي
2023-12-01 17:15:00
"مفتي الديار العراقية" يستحوذ على جامع ببغداد للوقف للسني!