"الباشا" سليمة.. سيدة المقام العراقي التي عيّرت الغزالي بالشيب

2021-02-03 04:56:22

في خمسينات القرن الماضي، على خشبة المسرح الثقافي، وأمام الجالغي (فرقة موسيقية من التراث البغدادي القديم)، كان يطرب الصوت العراقي الشهير، ناظم الغزالي، مخاطباً السيدة التي كانت تعيره ببياض رأسه بعد الكبر، إلا أن هذه الخطاب لم يكن لمجهول كما ظن جمهوره.

بعد قصة حب تخللها الفن والموسيقى، أعلن الغزالي عام 1953، زواجه بالمرأة التي لطالما تغنى بها، وهي "الباشا" سليمة مراد.

تعد سليمة، إحدى قمم الغناء العراقي في القرن المنصرم، واحتلت مكانة مرموقة في عالم الغناء العراقي، وهي أول امرأة تأخذ لقب "باشا"، تماماً كما أخذت قلب الغزالي. 

ولدت سليمة في الثاني من فبراير 1905، في طاطران، إحدى أحياء بغداد، وكغيرها من المطربات العراقيات، تعرفت على فرق الموسيقى وعلى مشاهير المطربين والعازفين آنذاك، وصولاً إلى الشاعر عبد الكريم العلاف الذي كتب لها أشهر أغانيها منها "خدري الجاي خدري وقلبك صخر جلمود وعلى شواطئ دجلة مر".

وفي عام 1935، التقت سليمة، بالفنانة أم كلثوم في مسرح الهلال عندما قدمت إلى بغداد أول مرة، وتأثرت بأغنية "قلبك صخر جلمود" وسجلتها على أسطوانة نادرة.

حصلت سليمة مراد على لقب "الباشا" من رئيس وزراء العهد الملكي، نوري السعيد، كما أطلق عليها الأديب زكي مبارك، لقب "ورقاء العراق"، بعد استماعه لها في إحدى الحفلات.

وتعتبر من أوائل المطربات اللواتي دخلن الإذاعة؛ حيث قدمت العديد من الحفلات الغنائية، وكان لها منتدى أدبي تقيمه في منزلها، يحضره كبار الشخصيات من الأدباء والشعراء ورجال السياسة.

يصف الشاعر الراحل، عبد الكريم العلاف، سليمة بقوله "اشتهرت بلقب سليمة باشا وظلت محافظة عليه لا تعرف إلا به، إلى أن أصدرت الحكومة العراقية قانوناً بإلغاء الرتب العثمانية، فصارت تدعى سليمة مراد، وسليمة مغنية قديرة آخذت من الفن حظاً وافراً وصيتاً بعيداً، فكانت فيه البلبلة الصداحة المؤنسة".

وتشير المصادر التاريخية، أن سليمة كانت من الديانة اليهودية، إلا أنها لم تغادر العراق أيام حملة تهجير اليهود إلى إسرائيل، عندما عمدت الحكومة الملكية العراقية إلى إسقاط الجنسية العراقية عن كل اليهود لإجبارهم على الرحيل، وبقيت في العراق تطرب على مسارحه حتى السنوات الأخيرة من عمرها.

وعلى أراضي بغداد التي رفضت هجرها، جمعها القدر بشريكها، ناظم الغزالي، ليكونا رفقاء بعض في دروب الفن، حتى قاما بفتح "ملهى" خاص بهما، ليكملا حياتهما بين جواب وقرار وقطع ووصل المقام العراقي.

علقت سليمة على قصتهما قائلة "طوال مدة الزواج كنا نتعاون معا بوصفنا فنانين على حفظ بعض المقامات والبستات، وغالباً ما كنا نبقى حتى ساعة متأخرة من الليل نؤدي هذه الأغاني معا ونحفظها سوية". 

وفي يوم ما، سافر الزوجان إلى بيروت في رحلة عمل، وعاد كل منهما على حدة، حيث سبق ناظم سليمة، وعند وصولها في اليوم التالي وجدت الناس متزاحمة عند بيتها، ثم أخبروها بالفاجعة "لقد مات ناظم".

انهارت سليمة تماماً، بعدما اتهمها بعضهم بأنها قتلته بغيرتها الشديدة عليه، بينما لا أحد إلى اليوم يعرف لماذا توقف قلبه، وماذا حدث قبل أن يعود ناظم وحده في ليلة 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1963، لتسقط بعد فراقه في الاكتئاب وتعتزل الناس حتى رحيلها في إحدى مشافي بغداد في 28 يناير/كانون الثاني 1974.

اخترنا لك

بودكاست
فيديو